واحتمل أن يكون حالا من كليهما أي وهبناهما له عطية منا ، والأول قول مجاهد وعطاء ، والثاني وهو أن النافلة العطية قول ابن عباس وأبي بن كعب وقتادة والفراء والزجاج (وَكُلًّا) من إبراهيم وإسحق ويعقوب (جَعَلْنا صالِحِينَ) قال الضحاك : أي مرسلين وقال غيره : عالمين عاملين. وفي قوله (جَعَلْنا صالِحِينَ) وكذا قوله (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) دلالة الأشاعرة على أن الصلاح بجعل الله وكذا الإمامة وغيرها من الأفعال أجاب الجبائي بأنه أراد تسميتهم بذلك ومدحهم وأنه حكم به لهم كما يقال : إن الحاكم عدل فلانا وجرحه إذا حكم بالعدالة والجرح ، وضعف بأنه خلاف الظاهر. وقوله (يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) أي يدعون الناس إلى دين الله بأمرنا وإرادتنا. قال أهل السنة : فيه أن الدعوة إلى الحق والمنع من الباطل لا يجوز إلا بأمر الله تعالى. وقالت المعتزلة : فيه أن من صلح لأن يقتدى به في الدين فالهداية واجبة عليه ليس له أن يخل بها ويتثاقل عنها. ولا خلاف في أن الهادي إذا كان مهتديا بنفسه كان الانتفاع بهداه أعم والنفوس إلى الاقتداء به أميل فلذلك قال (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) أي أن يفعلوها لأن المراد هو إيحاء أن يحدثوا الخيرات من أنفسهم ونفس الفعل الخير لا يمكن إيحاؤه فرد إلى فعل الخيرات تخفيفا ، فإن المقصود معلوم ، ثم أضيف المصدر إلى المفعول لإفادة تخفيف آخر في اللفظ وكذلك (إِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) أي أوحينا إليهم أن يقيموا ويؤتوا ، قال الزجاج : حذف الهاء من إقامة لأن المضاف إليه عوض منها. وقال غيره : الإقام والإقامة مصدران. ولا ريب أن تخصيص هاتين الخصلتين بالذكر دليل على شرفهما والأولى أصل التعظيم لأمر الله ، والثانية أصل الشفقة على خلق الله. (وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) فيه أنه سبحانه لما وفى بعهد الربوبية فآتاهم النبوّة والدرجات العالية فهم أيضا وفوا بعهد العبودية فلم يغفلوا عنها طرفة عين.
قوله (وَلُوطاً) عن الزجاج أنه معطوف على (أَوْحَيْنا) وعن أبي مسلم أنه معطوف على قوله (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ) والحكم الحكمة ، وقيل الفصل بين الخصوم ، وقيل النبوة والقرية سذوم والمراد أهلها وخبائثهم مشهورة قد عددت في «الأعراف» وفي «هود». و (قَوْمَ سَوْءٍ) نقيض رجل صدق (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) أي أهل رحمتنا أو في الجنة والثواب. عن ابن عباس والضحاك. وقال مقاتل : هي النبوة أي أنه لما كان من الصالحين آتيناه النبوة كي يقوم بحقها. وقال أهل التحقيق : حين آتاه الحكم والعلم وتخلص من جلساء السوء فتحت عليه أبواب المكاشفات وتجلت له أنوار الذات والصفات وإنها هي الرحمة في الحقيقة. قوله (وَنُوحاً) وكذا نظائره معطوف على قوله (وَلَقَدْ آتَيْنا) أو المراد واذكر نوحا. و (إِذْ نادى) بدل منه أي اذكر وقت ندائه (مِنْ قَبْلُ) هؤلاء المذكورين والنداء