عاصفة تحمل كرسيه من إصطخر إلى الشام ، أو أنها كانت في وقت رخاء وفي وقت عاصفا لهبوبها على حسب إرادته وأمره. وفي قوله (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) إشارة أنه فعل كل ما فعل بالأنبياء المذكورين عن حكمة بالغة وتدبير محكم وإحاطة بأحوالهم وعلم باستئهالهم. قوله (وَمِنَ الشَّياطِينِ) أي سخرنا من الشياطين (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) ويجوز أن يكون الكلام خبر أو مبتدأ و «من» موصولة أو موصوفة. كانوا يغوصون لأجله في البحار فيستخرجون الجواهر (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) أي متجاوزا ما ذكر من بناء المدائن والقصور وسائر الصنائع العجيبة. قالت العلماء : الظاهر أن التسخير لكفارهم دون المؤمنين منهم لإطلاق الشياطين ولقوله : (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) أي من أن يزيغوا عن أمره أو يبدلوا أو يوجد منهم فساد في الجملة إذ كان من دأبهم أن يفسدوا بالليل ما عملوا بالنهار. والحفظ إما بسبب الملائكة أو مؤمني الجن الموكلين بهم ، أو بأن حبب إليهم طاعته وخوفهم مخالفته. قال ابن عباس في تفسيره : يريد أن سلطانه مقيم عليهم يفعل بهم ما يشاء. قال الجبائي : كيف تتهيأ منهم هذه الأعمال وأجسامهم رقيقة وإنما تمكنهم الوسوسة فقط ، فلعل الله تعالى كثف أجسامهم خاصة وقواهم على تلك الأعمال الشاقة وزاد في عظمهم معجزة لسليمان فلما مات سليمان ردهم إلى الخلقة الأولى. إذ لو أبقاهم على الخلقة الثانية لكان شبهة على الناس ، فلعل بعض الناس يدعي النبوة ويجعله دلالة عليها. واعترض عليه الإمام فخر الدين الرازي رضياللهعنه بأنك لم قلت : إن الجن أجسام فلعلهم من الموجودات التي ليست متحيزة ولا حالة في المتحيز. ولا يلزم منه الاشتراك مع الباري فإن الاشتراك في اللوازم الثبوتية لا يدل على الاشتراك في الملزومات فضلا عن اللوازم السلبية. سلمنا أن الجن أجسام لكن لم قلت : إن البنية شرط للقدرة وليس في يدكم إلا الاستقراء الضعيف؟ سلمنا أنه لا بد من تكثيف أجسامهم فمن أين يلزم ردهم إلى الخلقة الأولى؟ فإن قال : لئلا يفضي إلى التلبيس. قلنا : إذا ثبت أن ذلك كان معجزة لنبي قبله لم يتمكن المتنبي من الاستدلال ومن عجيب قدرة الله سبحانه أن أصلب الأجسام في هذا العالم الحجارة والحديد ، وقد سخرهما الله تعالى لداود فأنطق الحجر ولين الحديد ، وفي ذلك دلالة باهرة على أنه تعالى قادر على إحياء العظام الرميمة. ومن الغرائب أن الشياطين مخلوقة من النار وكان يأمرهم بالغوص في الماء ، وفيه إظهار الضد بالضد فتبارك الله رب العالمين.
ومن عجائب القصص والأخبار حكاية أيوب عليهالسلام وصبره على بلائه حتى صار مثلا. عن وهب بن منبه أنه كان من الروم من ولد عيص بن إسحاق وكانت أمه من ولد لوط اصطفاه الله وجعله نبيا ، ومع ذلك بسط عليه الدنيا وكثر أهله وماله وكان له سبعة بنين وسبع