من الحسنات نظيره المقوي والموسر لذوي القوة واليسار ، والرابط محذوف أي هم المضعفون به. وجوز في الكشاف أن يراد فمؤتوه أولئك هم المضعفون. قالت العلماء : أراد الإضعاف في الثواب لا في المقدار ، فليس من أعطى رغيفا فإن الله يعطيه عشرة أرغفة ، وإنما المراد أن الرغيف الواحد لو اقتضى أن يكون ثوابه قصرا في الجنة فإن الله تعالى يعطيه عشرة قصور تفضلا.
ثم عاد إلى بيان التوحيد مرة أخرى بتذكير الخلق والرزق والإماتة والإحياء بعدها نظرا إلى الدلائل ، ثم طلب منهم الإنصاف بقوله (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) قال جار الله : «من» الأولى والثانية والثالثة كل واحدة منهن مستقلة بتأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم. قلت : الأولى للتبعيض كأنه أقام فعل البعض مقام فعل الكل توسعة على الخصم ، والثالثة لتأكيد الاستفهام ، والمتوسطة للابتداء ولكنه يفيد أنه رضي منهم بشيء واحد من تلك الأشياء للتوسعة المذكورة أيضا. ثم بين أن الشرك وسائر المعاصي سبب ظهور الفساد في البر والبحر وذلك لقلة المنافع وكثرة المضار ومحق البركات من كل شي. وفسره ابن عباس بإجداب البر وانقطاع مادة البحر وتموجه بمائه ، وعن الحسن : المراد بالبحر مدن البحر وقراه التي على سواحله ، وقال عكرمة : العرب تسمي الأمصار بحارا (لِنُذِيقَهُمْ) وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن نعاقبهم بجميعها في الآخرة إرادة أن يرجعوا عما هم عليه ، وجوز جار الله أن يراد ظهر الشر والمعاصي في الأرض برا وبحرا بكسب الناس. وعلى هذا فاللام في قوله (لِنُذِيقَهُمْ) لام العاقبة. ثم أمرهم بالنظر في حال أشكالهم الذين كانت أفعالهم كأفعالهم كقوم نوح وعاد وثمود (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) فيه إشارة إلى أن بعضهم كانوا مرتكبي ما دون الشرك من المعاصي ولكنهم شاركوا المشركين في الهلاك تغليظا عليهم. أو هو كقوله (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] أو المراد أن أهل الشرك كانوا أكثر من أهل سائر الأديان الباطلة كالمعطلة والمجسمة ونحوهم. خاطب نبيه وبتبعيته أمته بقوله (فَأَقِمْ) كأنه قال : وإذ قد ظهر فساد سائر الملل والنحل (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) البليغ الاستقامة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ) من الله (يَوْمٌ) لا يرده راد. ويجوز أن يتعلق قوله (مِنَ اللهِ) بقوله (لا مَرَدَّ) أي لا راد له من جهة الله فلا يقدر غيره على رده فلا دافع له أصلا (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) أي يتصدعون والتصدع التفرق. ثم بين وجه تفرق الناس بقوله (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي وبال كفره عليه لا على غيره (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً) أي آمن وعمل صالحا لأن العمل الصالح لا يتصور إلا بعد الإيمان ، على أن الإيمان ، أيضا عمل صالح قلبي ولساني وسيصرح به في قوله (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا