الرحمة يشتغل بالشكر ، وفي حالة الضراء لا ينسب الله إلى عدم القدرة وإلى عدم العناية بحال العبد بل يشتغل بالتوبة والإنابة إلى أوان الفرج والنصر ، وهذه مرتبة المؤمن الموحد فلذلك قال (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ولا يخفى أن بسط الرزق مما يشاهد ويرى فلذلك قال (أَوَلَمْ يَرَوْا) وقال في «الزمر» (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا) [الآية : ٥٢] مناسبة لما قبله وهو (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) [القصص : ٧٨] وقوله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) قال جار الله : لما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك قائلا (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) الآية. وأقول : لما بين كيفية التعظيم لأمر الله أشار إلى الشفقة على خلق الله قائلا (فَآتِ) أيها المكلف أو النبي والأمة يتبعونه لا محالة كما مر في قوله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) [الروم : ٣٠] وفيه أن الله إذا بسط الرزق فلا ينقص بالإنفاق ، وإذا ضيق لم يزدد بالإمساك ، فينبغي أن لا يتوقف الإنسان في الإحسان. وفي تخصيص الأصناف الثلاثة بالذكر دلالة على أنهم أولى بالإشفاق عليهم من سائر الأصناف. وإنما قال (ذَا الْقُرْبى) ولم يقل «القريب» ليكون نصا في معناه ولا يشتبه بالقرب المكاني ، وفيه أن القرابة أمر له دوام بخلاف المسكنة وكونه من أبناء السبيل. وفي قوله (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دون أن يقول «فآت هذه الأصناف حقوقهم» تشريف لذوي القرابة حيث جعل الصنفين الآخرين تابعا لهم على الإطلاق. فإنه إذا قال الملك : خل فلانا يدخل وفلانا أيضا كان أدخل في التعظيم من أن يقول : خل فلانا وفلانا يدخلان (ذلِكَ) الإيتاء (خَيْرٌ) في نفسه أو خير من المنع (لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي ذاته أو جهة قربته فإن من أنفق ألوفا رياء وسمعة لم ينل درجة من أنفق رغيفا لوجه الله (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) كقوله في أول «البقرة» لأن قوله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) [الروم : ٣٠] اشارة إلى الإيمان بالغيب وغيره أو إلى إقامة الصلاة ، وقوله (وَآتِ ذَا الْقُرْبى) أمر بالزكاة بل بالصدقة المطلقة. وفي قوله (يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) إشارة إلى الاعتراف بالمعاد. ثم أراد أن يعظم شأن الصدقة فضم إلى ذلك تقبيح أمر الربا استطرادا. فمن قرأ ممدودا فظاهر ، ومن قرأ مقصورا فهو من الإتيان أي وما غشيتموه أو أصبتموه من إعطاء ربا ليربو أي ليزيد في أموال أكلة الربا ، وفي القراءة الأخرى ليزيد في أموالهم (فَلا يَرْبُوا) فلا يزكو ولا ينمو (عِنْدَ اللهِ) لأنه يمحق بركتها نظيره ما مر في آخر البقرة (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) [الآية : ٢٧٦] قيل : نزلت في ثقيف وكانوا يرابون. وقيل : نزلت في الهبة أو الإهداء لأجل عوض زائد ، فبين الله تعالى أن ذلك لا يوجب الثواب عند الله وإن كان مباحا. وفي الحديث «الجانب المستغزر يثاب عن هبته» أي الرجل الغريب إذا أهدى شيئا فإنه ينبغي أن يزاد في عوضه. قال جار الله : في قوله (فَأُولئِكَ) التفات حسن كأنه قال ذلك لخواصه ولملائكته وهو أمدح لهم من أن يقول «فأنتم المضعفون» أي ذوو الإضعاف