موضع وأحرزه كجوف الصخرة أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلي ، وقال أهل التحقيق : إن خفاء الشيء يكون إما لغاية صغره ، وإما لاحتجابه ، وإما لكونه بعيدا ، وإما لكونه في ظلمة. فأشار إلى الأول بقوله (مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) وإلى الثاني بقوله (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) وإلى الثالث بقوله (أَوْ فِي السَّماواتِ) وإلى الرابع بقوله (أَوْ فِي الْأَرْضِ) وقوله (يَأْتِ بِهَا اللهُ) أبلغ من قول القائل «يعلمه الله» ففيه مع العلم بمكانه إظهار القدرة على الإتيان به (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) نافذ القدرة (خَبِيرٌ) ببواطن الأمور ، وحين منع ابنه من الشرك وخوفه بعلم الله وقدرته أمره بمكارم الأخلاق والعادات وأولها الصلاة ، وفيها تعظيم المعبود الحق ، وبعدها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فبهما تتم الشفقة على خلق الله. وقوله (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من أذيات الخلق في البأس ، أو هو مطلق في كل ما يصيبه من المصائب والمكاره (إِنَّ ذلِكَ) المذكور (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي من معزوماتها من عزم الأمر بالنصب إذا قطعه قطع إيجاب وإلزام ، ومنه العزيمة خلاف الرخصة ، أو من عزم الأمر بالرفع أي جد وقد مر في آخر «آل عمران». وحين أمره بأن يكون كاملا في نفسه مكملا لغيره وكان يخشى عليه أن يتكبر على الغير بسبب كونه مكملا له أو يتبختر في النفس بسبب كونه كاملا في نفسه قال (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) يقال : أصعر خدّه وصعره وصاعره من الصعر بفتحتين وهو داء يصيب البعير يلوي منه عنقه. والمعنى : أقبل على الناس بكل وجهك تواضعا لا بشق الوجه كعادة المتكبرين. ومعنى (لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) مذكور في سورة «سبحان الذي» والمختال والفخور مذكوران في سورة النساء. فالمختال هو الماشي لأجل الفرح والنشاط لا لمصلحة دينية أو دنيوية ، والفخور هو المصعر خده ، بين أن الله لا يحبهما فيلزم الاجتناب عن الاتصاف بصفتهما. ثم أمره عند الاحتياج إلى المشي لضرورة بالمشي القصد أي الوسط بين السرعة والإبطاء على قياس سائر الأخلاق والآداب فخير الأمور أوساطها ، ومثله غض الصوت حين التكلم. قال أهل البيان : في تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير التي هي مثل في البلادة حتى استهجن التلفظ باسمها في أغلب الأمر ، وفي تمثيل أصواتهم بالنهاق ثم إخلاء الكلام عن أداة التشبيه وإخراجه مخرج الاستعارة ، تنبيه على أن الإفراط في رفع الصوت من غير ضرورة ولا فائدة مكروه عند الله جدا ، واشتقاق أنكر من النكر ليكون على القياس لا من المنكر والحمير جمع الحمار ، وإنما لم يقل أصوات الحمير لأن المراد أن كل جنس من الحيوان الناطق وغير الناطق له صوت ، وإن أنكر أصوات هذه الأجناس صوت أفراد هذا الجنس. قال بعض العقلاء : من نكر صوت هذا الحيوان أنه لو مات تحت الحمل لا يصيح ولو قتل لا يصيح وفي أوقات عدم الحاجة يصيح وينهق ، وأما سائر الحيوانات فلا يصيح إلا لحاجة قالوا : ومن فوائد عطف الأمر بغض