الأول بقوله (اتَّقِ اللهَ) أرشده إلى القسم الآخر وبدأ بالزوجات لأنه أولى الناس بالشفقة ولهذا قدّمهنّ في النفقة. لنبن تفسير الآية على مسائل منها : أن التخيير هل كان واجبا على النبي صلىاللهعليهوسلم أم لا؟ فنقول : التخيير قولا كان واجبا بالاتفاق لأنه إبلاغ الرسالة ، وأما التخيير معنى فمبني على أن الأمر للوجوب أم لا. ومنها أن واحدة منهن لو اختارت الفراق هل كان يعتبر اختيارها فراقا؟ والظاهر أنه لا يعتبر فراقا وإنما تبين المختارة نفسها بإبانة من جهة النبي صلىاللهعليهوسلم لقوله (فَتَعالَيْنَ) وعلى هذا التقرير فهل كان يجب على النبي صلىاللهعليهوسلم الطلاق أم لا؟ الظاهر الوجوب ، لأن خلف الوعد منه غير جائز بخلاف الحال فينا فإنه لا يلزمنا الوفاء بالوعد شرعا. ومنها أن المختارة بعد البينونة هل كانت تحرم على غيره الظاهر نعم ليكون التخيير ممكنا لها من التمتع بزينة الدنيا. ومنها أن المختارة لله ورسوله هل يحرم طلاقها؟ الظاهر نعم بمعنى أنه لو أتى بالطلاق لعوتب. وفي تقديم اختيار الدنيا إشارة إلى أنه كان لا يلتفت إليهن كما ينبغي اشتغالا بعبادة ربه. وكيفية المتعة وكميتها ذكرناهما في سورة البقرة. والسراح الجميل كقوله (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) [الآية : ٢٢٩] وفي ذكر الله والدار الآخرة مع ذكر الرسول صلىاللهعليهوسلم وفي قوله (لِلْمُحْسِناتِ) إشارات إلى أن اختيار الرسول صلىاللهعليهوسلم سبب مرضاة الله وواسطة حيازة سعادات الآخرة ، وأنه يوجب وصفهن بالإحسان. والمراد بالأجر العظيم كبره بالذات وحسنه بالصفات ودوامه بحسب الأوقات ، فان العظيم لا يطلق إلا على الجسم الطويل العريض العميق الذاهب في الجهات في الامتدادات الثلاثة ، وأجر الدنيا في ذاته قليل ، وفي صفاته غير خال عن جهات القبح كما في قوله من الضرر والثقل ، وكذلك في مشروبه وغيرهما من اللذات ومع ذلك فهو منغص بالانقطاع والزوال. ويروى أنه حين نزلت الآية بدأ بعائشة وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم اختار جميعهن اختيارها فشكر ذلك لهنّ الله فأنزل (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) [الأحزاب : ٥٢]وروى أنه قال لعائشة إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ثم قرأ عليها القرآن فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم قالت : لا تخبر أزواجك أني اخترتك فقال : إنما بعثني الله مبلغا ولم يبعثني متعنتا أما حكم التخيير في الطلاق فإذا قال لها : اختاري. فقالت : اخترت نفسي. أو قال : اختاري نفسك فقالت : اخترت. لا بد من ذكر النفس في أحد الجانبين. وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة وأصحابه إذا كان في المجلس أو لم يشتغل بما يدل على الإعراض. واعتبر الشافعي اختيارها على الفور وهي عنده طلقة رجعية وهو مذهب عمر وابن