الإنفاق ومن بخل بالأدون فهو بأن يبخل بالأكثر أولى. وقوله (مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) كلام في نفسه حسن لكنهم ذكروه في معرض الدفع فلهذا استوجبوا الذم وقد بين الله خطأهم بقوله (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) فإن من في خزائنه مال وله في يد الغير مال فإنه مخير إن أراد أعطى زيدا مما في خزائنه وإن شاء أعطاه مما في يد الغير وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ. وقوله (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) بناء على ما اعتقدوه أن الأمر بالإنفاق ضائع ، لأنه سعي في إبطال مشيئة الله ولم يعلموا أن الضلال لا يتعدّاهم أيه سلكوا ، وذلك أنهم لم ينظروا إلى الأمر والطلب وبادروا إلى الاعتراض ، والطاعة هي اتباع الأمر لا الاستكشاف عن الغرض والغاية. ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق قائلين (إِنْ كُنْتُمْ) أيها المدّعون للرسالة (صادِقِينَ) فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب فأجابهم الله تعالى بقوله (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا. وتنكير صيحة للتهويل ووصفها بواحدة تعظيم للصيحة وتحقير لشأنهم أي صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية ، وفي قوله (تَأْخُذُهُمْ) أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى ، وكذا في قوله (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم وسائر ما يتخاصمون فيه ومع ذلك يصعقون. وقيل : تأخذهم وهم يختصمون في أمر البعث قائلين إنه لا يكون. ثم بالغ في شدّة الأخذ بقوله (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) وفي قوله (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) دون أن يقول «فلا يوصون» مبالغة لأن من لا يوصي قد يستطيعها ، وكذلك في تنكير توصية الدال على التقليل ، وكذا في نفس التوصية لأنها بالقول والقول يوجد أسرع من الفعل من أداء الواجبات وردّ المظالم ، وقد تحصل التوصية بالإشارة فالعاجز عنها عاجز عن غيرها. وفي قوله (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) بيان لشدّة الحاجة إلى التوصية فإن الذي يقطع بعدم الوصول إلى أهله كان إلى الوصية أحوج. وفيه تنبيه على أن الميت لا رجوع له إلى الدنيا ولا اجتماع له بأهله مرة أخرى إلى حين يبعثون. ثم بين حال النفخة الثانية ، والأجداث القبور والنسلان العدو. وكيف صارت النفختان مؤثرتين في أمرين متضادين الإماتة والإحياء؟ نقول : لا مؤثر إلا الله ، والنفخ علامة على أن الصوت يوجد التزلزل وأنه قد يصير سببا لافتراق الأجزاء المجتمعة تارة ولاجتماع المتفرقة أخرى. ثم إن أجزاء كل بدن قد تحصل في موضع هو بمنزلة جدثه ، أو أعطى للأكثر حكم الكل. وذكر الرب في هذا الموضع للتخجيل فإن من أساء واضطر إلى الحضور عند من أحسن إليه كان أشدّ ألما وأكثر ندما. وقوله (يَنْسِلُونَ) لا ينافي قوله في موضع آخر (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر : ٦٨] فلعل ذلك في أول الحالة ثم يحصل لهم سرعة المشي من غير اختيارهم. ويمكن أن يقال :