إن هيئة الانتظار ليست بمنافية للمشي بل مؤكدة له ومعينة عليه. وفي «إذا» المفاجأة إشارة إلى أن الإحياء والتركيب والقيام والعدو كلها تقع في زمان النفخ.
ثم بين أنهم قبل النسلان (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) كأنهم شكوا في أنهم كانوا موتى فبعثوا أو كانوا نياما فتنبهوا فجمعوا في السؤال بين الأمرين : البعث والمرقد. عن مجاهد : للكفار. هجعة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور قالوا ذلك ، ثم أجابهم الملائكة في رواية ابن عباس ، والمتقون على قول الحسن (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) كأنه قيل : ليس بالبعث الذي عرفتموه وهو بعث النائم من مرقده حتى يهمكم السؤال عن الباعث أن هذا هو البعث الأكبر الذي وعده الرحمن في كتبه المنزلة على لسان رسله الصادقين. والظاهر أن (هذا) مبتدأ و (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) إلى آخره خبره ، و «ما» مصدرية أي هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالمصدر. ويجوز أن يكون «ما» موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن وصدقه المرسلون أي صدقوا فيه. وجوّز جار الله أن يكون (هذا) صفة للمرقد و (ما وَعَدَ) خبر مبتدأ محذوف أي هذا وعد الرحمن ، أو مبتدأ محذوف الخبر أي ما وعده الرحمن وصدقه المرسلون حق عليكم. وقيل : إن قوله (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) من كلام الكافرين كأنهم تذكروا ما سمعوا من الرسل فأجابوا به أنفسهم ، أو أجاب بعضهم بعضا. ثم عظم شأن الصيحة بالنسبة إلى المكلفين وحقر أمرها بالإضافة إلى الجبار قائلا (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً) الآية. وقد مر نظيره. ثم بين ما يكون في ذلك اليوم قائلا (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ) أيها الكافرون (إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وفيه إشارة إلى أن عدله عام وفضله خاص بأهل الإيمان وفيه أنهم إذا جمعوا لم يجمعوا إلا للعدل أو الفضل فالفاء فيه كما في قول القائل للوالي أو للقاضي : جلست للعدل فلا تظلم. أي ذلك يقتضي هذا ويستعقبه. وقوله (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إشارة إلى عدم الزيادة فإن الشيء لا يزيد على عينه كقولك : فلان يجازيني حرفا بحرف. أي لا يترك شيئا. ويجوز أن يراد الجنس أيّ لا تجزون إلا جنس العمل حسنا أو سيئا. ثم فصل حال المحسنين بطريق الحكاية في ذلك اليوم تصويرا للموعود وترغيبا فيه فقال (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ) لا يكتنه كنهه وفيه وجوه أقواها أنهم مشغولون عن هول ذلك اليوم بما لهم من الكرامات والدرجات. وقوله (فاكِهُونَ) مؤكد لذلك المعنى أي شغلوا عنه باللذة والسرور لا بالويل والثبور. وثانيها أنه بيان لحالهم ولا يريد أنهم شغلوا عن شيء بل المراد أنهم في عمل ، ثم بين عملهم بأنه ليس بشاق بل هو ملذ محبوب. وثالثها أنهم تصوروا في الدنيا أمورا يطلبونها في الجنة فإذا رأوا فيها ما لم يخطر ببالهم اشتغلوا به عنها.