كلامهم وأحوالهم حتى يستخرج منه حيلة فلم يجد عذرا أحسن من قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) قال المفسرون : كان الطاعون أغلب الأسقام عليهم فظنوا أن به ذلك فتركوه في بيت الأصنام مخافة العدوى وهربوا إلى عيدهم وذلك قوله سبحانه (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) ذهب إليها في خفية حتى لا يرى فكأنه رجع إليها مراوغا قومه من روغان الثعلب. وقيل : راغ بقوله (إِنِّي سَقِيمٌ) حتى خلا بها وسماها آلهة على زعمهم. وقوله (أَلا تَأْكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) استهزاء بها وكان عندها طعام زعموا أنها تأكل منه. وقيل : وضع الطعام ليبارك فيه. وروى أن سدنتها كانوا يأكلون ما يوضع عندها من الطعام وينطقون عند الضعفة عن لسانها يوهمون أنها تأكل وتنطق. وإنما جاء في هذه السورة (فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ) بالفاء وفي «الذاريات» (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) بغير الفاء لأنه قصد من أول الأمر تقريع من زعم أنها تأكل وتشرب ، وفي «الذاريات» يستأنف تقديره : قربه إليهم فلم يأكلوها فلما رآهم لا يأكلون فقال ألا تأكلون.
(فَراغَ عَلَيْهِمْ) عداه بعلى لأن الميل الأول كان على سبيل الرفق استهزاء ، وهذا كان بطريق العنف والقهر وهذا كمال يقال في المحبوب : مال إليه. وفي المكروه : مال عليه. وقوله (ضَرْباً) مصدر راغ من غير لفظه أو لفعل محذوف أو حال أي يضرب ضربا أو ضاربا. ومعنى (بِالْيَمِينِ) أي باليد اليمنى لأنها أقوى على الأعمال أو بالقوّة مجازا ، أو بسبب الحلف وهو قوله (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ) أي إلى إبراهيم (يَزِفُّونَ) يمشون على سرعة. وزفيف النعامة ابتداء عدوها. ومن قرأ بضم الياء فإما لازم من أزف إذا صار إلى حال الزفيف ، أو متعد والمفعول محذوف أي يزفون دوابهم أو بعضهم بعضا وقد مر نظيره في التوبة في قوله (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) [التوبة : ٤٧] قال بعض الطاعنين ، قوله (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ) دل على أنهم عرفوا كاسر أصنامهم. وقوله في «الأنبياء» (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) [الآية : ٦٢] دل على أنهم لم يعرفوا الكاسر فبينهما تناقض. وأجيب بأن هؤلاء غير أولئك فالذين عرفوه ذهبوا إليه مسرعين ، والذين لم يعرفوه بعد استخبروا عنه. على أن قوله (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ) لا دلالة له على أنهم عرفوا أن الكاسر هو إبراهيم فلعلهم أقبلوا إليه لأجل السؤال عن الكاسر. وحين عاتبوه على فعله أراد أن يبين لهم فساد طريقتهم فـ (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) وذلك أن الناحت لم يحدث فيه إلا صورة معينة فيكون معناه أن الشيء الذي لم يكن معبودا لي صار بسبب تصرفي فيه معبودا لي وفساد هذا معلوم بالبديهة ، احتج جمهور الأشاعرة بقوله (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) على أن العبد ليس خالق أعماله لأن المعنى خلقكم وأعمالكم. وزيف بأن «ما» موصولة لتناسب قرينتها في قوله (ما