تَنْحِتُونَ) وليتوجه التوبيخ ولكيلا يلزم التناقض فإن النحت عملهم. والصحيح أن الآية كقوله (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) [الأنبياء : ٥٦] أي فطر الأصنام. ثم إن إبراهيم لما ألقمهم الحجر بهذا القول وألزمهم عدلوا إلى طريقة الإيذاء و (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) قال ابن عباس : بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون. وتقدير الآية : ابنوا له بنيانا واملؤه نارا وألقوه فيها. والجحيم النار العظيمة. ومعنى الفاء في قوله (فَأَرادُوا) كقوله (أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : ٤] كأنه قيل : فبنوا البنيان وملؤه نارا وألقوه فيها فنجيناه منها. وقد صح أنهم أرادوا به كيدا (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) الأذلين وأما في الأنبياء فلم يقصد هذا الترتيب فاقتصر على الواو العاطفة. وإنما اختصت هذه السورة بقوله (الْأَسْفَلِينَ) لأنه ذكر أنهم بنوا بنيانا عاليا فكان ذكر السفل في طباقه أنسب. ثم ذكر بقية قصة إبراهيم وقوله (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) كقوله في «العنكبوت» (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) [الآية : ٢٦] وإنما حكم بقوله (سَيَهْدِينِ) ربي إلى ما فيه صلاحي في الدارين اعتمادا على فضل الله أو عرف ذلك بالوحي. وحين هاجر إلى الأرض المقدسة أراد الولد فقال (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) والله تعالى بين استجابته بقوله (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) وصف الغلام بالعلم في سورة الحجر وبالحلم هاهنا. فذهب العلماء إلى أنه أراد بغلام عليم في صغره حليم في كبره ، فإن الصبي لا يوصف بالحلم ومن هنا انطوت البشارة على معان ثلاثة : أحدها أن الولد ذكر ، والثاني أنه يبلغ أوان الحلم ، والثالث أنه يكون حليما ، وأيّ حلم أعظم من استمساكه حين عرض أبوه عليه الذبح فقال (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وفيه أن ولده قائم مقامه في الشرف والفضيلة فوصفه بالحلم كما وصف به إبراهيم في قوله (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) [هود : ٧٥]. وقيل : العليم إسحق لقوله (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) [الذاريات : ٢٩] والحليم إسماعيل. ثم حكى حديث ذبحه قائلا (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) أي قوي على أن يمشي مع أبيه في حوائجه. والظرف بيان كأنه قال أوّلا فلما بلغ السعي فقيل : مع من؟ فأجيب مع أبيه. ولا يجوز تعلقه بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدّم عليه ولا بقوله (بَلَغَ) لأنهما لم يبلغا معا حد السعي ـ والمعنى في اختصاص الأب إخراج الكلام مخرج الأغلب. وقال جار الله : السبب فيه أن الأب أرفق الناس به وأعطفهم عليه وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله لأنه لم تستحكم قوته. يروى أنه كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وقيل أراد السعي في المنافع وفي طاعة الله.
اعلم أن الناس اختلفوا في الذبيح ، فعن أبي بكر الصديق وابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب وسعيد بن المسيب وعكرمة ومجاهد والضحاك أنه إسماعيل لقوله صلىاللهعليهوسلم «أنا