كما قيل : اذكر الله في الخلوات يذكرك في الفلوات. والأظهر أن المراد منه ما حكى الله تعالى في آية أخرى أنه كان يقول في تلك الظلمات (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧].
والضمير في (يُبْعَثُونَ) للخلائق بالقرينة وقوله (لَلَبِثَ) فيه أقوال : أحدها : يبقى هو والحوت إلى يوم البعث. والثاني يموت الحوت ويبقى هو في بطنه. والثالث يموتان ثم يحشر يونس من بطنه. واختلفوا في مدّة لبثه في بطن الحوت ، فعن الحسن أنه لم يلبث إلا قليلا. وقيل : ثلاثة أيام. وعن عطاء : سبعة. وعن الضحاك : عشرون. وقال الكلبي : أربعون. روي أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر فلفظه بالعراء وهو المكان الخالي لا شجر فيه ولا شيء يغطيه. عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «سبح يونس في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا ربنا إنا لنسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة. فقال : نعم ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر فقالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح. قال : نعم فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه في الساحل» وحكي في بعض التفاسير وإن لم يطابقه رأي أصحاب المسالك كل المطابقة أن الحوت أخرجه إلى نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى البطائح ثم دجلة فلفظه بأرض نصيبين لم تنله آفة إلا أن بدنه عاد كبدن الصبي حين يولد ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين وذلك كالمعجزة له. قال المبرد والزجاج : هو «يفعيل» من قطن بالمكان إذا أقام به فيشمل كل شجرة لا تقوم على ساق كالدباء والبطيخ إلا أن المفسرين خصصوه بالدباء قالوا : لأن الذباب لا يجتمع عنده وقيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنك لتحب القرع. قال : أجل هي شجرة أخي يونس. قال الواحدي : في الآية دلالة أوّلا على أن اليقطين لم يكن من قبل فأنبته الله لأجله. والآخر أن اليقطين كان قائما بحيث يحصل له ظل. قلت : الثاني مسلم إلا أن الأول ممنوع إن أراد به النوع وإن أراد به الشخص فمسلم. وقيل : هي التين. وقيل : هي شجرة الموز تغطى بورقها واستظل بأغصانها واغتذى من ثمارها. وروي أنه كان يستظل بالشجرة وكانت وعلة تأتيه فيشرب من لبنها. وروي أنه مر زمان على الشجرة فيبست فبكى جزعا فأوحى إليه : بكيت على شجرة ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون فرجع إلى قومه. وقد سبق في سورة يونس باقي التفسير و «أو» في قوله (أَوْ يَزِيدُونَ) ليست للشك وإنما المراد وصفهم بالكثرة في مرأى الناظر أي إذا رآها الرائي قال هي مائة ألف أو أكثر. ومن هذا التأويل يتضح وجه العطف من حيث المعنى كأنه قيل : وأرسلناه إلى جم غفير مقول فيهم إنهم مائة ألف أو يزيدون. وقيل : التقدير وأرسلناه إلى