مائة ألف وأرسلناه إلى قوم يزيدون في الإيهام. وكم الزائد؟ قيل : ثلاثون ألفا. عن ابن عباس. وقيل : بضعة وثلاثون. وقيل : بضعة وأربعون. وقيل : سبعون. وجاء مرفوعا عشرون ألفا. ويحتمل أن يراد أو يزيدون في مرور الزمان لأنه يبقى فيهم مدة كما قال (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) هو انقضاء آجالهم. وقيل : القيامة وقد مر. ثم عطف قوله (فَاسْتَفْتِهِمْ) على مثله في أول السورة. والوجه فيه أنه أمر رسوله باستفتاء قريش عن سبب إنكار البعث ، ثم ساق الكلام متصلا بعضه ببعض على ما عرفت في أثناء التفسير ، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى حين أضافوا البنات إلى الله تعالى قائلين الملائكة بنات الله مع كراهتهم التامة لهن ورغبتهم الوافرة في البنين. وحين استفتاهم على سبيل التوبيخ شرع في تزييف معتقدهم بقسمة عقلية وذلك أن سند الدعوى إما أن يكون حسا أو خبرا أو نظرا. أما الحس فمفقود لأنهم ما شاهدوا كيفية تخليق الله الملائكة وهو المراد من قوله (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) وأما الخبر فكذلك لأن الخبر إنما يفيد العلم إذا علم أنه صدق قطعا وهؤلاء كذابون أفاكون وأشار إليه بقوله (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) وأما النظر فمفقود أيضا وبيانه من وجهين : الأول أن دليل العقل يقتضي فساده لأنه تعالى أكمل الموجودات والأكمل لا يليق به اصطفاء الأخس لأجل نفسه وذلك قوله (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) من قرأ أصطفى بفتح الهمزة فلأنه استفهام بطريق الإنكار وقد حذفت همزة الوصل للتخفيف ، ومن قرأ بكسرها على الإخبار جعله من جملة كلام الكفرة. الثاني : عدم الدليل على صحة مذهبهم وهو قوله (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) نظيره ما مر في قوله (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) [الروم : ٣٥] وقوله (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) للمفسرين فيه قولان : أحدهما أنهم الطائفة الأولى والمعنى أنهم جعلوا بين الله وبين الملائكة نسبة بسبب قولهم إنهم بناته فإن الولادة تقتضي الجنسية والمناسبة ، وفيه توبيخ لهم على أن من صفته الاجتنان والاستتار كيف يصلح أن يكون مناسبا لا يجوز عليه صفات الإجرام ، وعلى هذا فالضمير في قوله (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) للكفرة. والمعنى أنهم يقولون ما يقولون في الملائكة وقد علمت الملائكة أنهم في ذلك كاذبون وأنهم محضرون النار معذبون بما يقولون. وثانيهما أنهم طائفة من الزنادقة قائلون بيزدان وأهرمن كما مر في «الأنعام» في قوله (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [الآية : ١٠٠] وعلى هذا فالضمير إما للكفار كما مر ، وإما للشياطين. روى عكرمة أنهم قالوا : سروات الجن بنات الرحمن. وقال الكلبي : زعموا أن الله سبحانه تزوّج إلى الجن فخرج منها الملائكة. والتاء في الجنة للتأنيث كحق وحقة.