الواجب عليكم من أصول التكاليف ولا سيما التوحيد على السوية من غير فرق في الإبلاغ بين مكلف ومكلف. ولست (أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) أم بعيد والموعود قيل : هو عذاب الآخرة. واعترض بأنه ينافي قوله (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) وقيل : هو الأمر بالقتال لأن السورة مكية وكان الأمر بالجهاد بعد الهجرة. وقيل : هو إعلاء شأن الإسلام وغلبة ذويه فإنه لا بد أن يلحق للكفار حينئذ ذلة وصغار. ولما أمره أن ينفي عن نفسه علم الغيب أمره أن يقول لهم إن الله سبحانه هو العالم بالسر والعلن فيعلم ما تجاهرون به من المطاعن في الإسلام وما تكتمونه في صدوركم من الإحن والضغائن فيجازيكم على القبيلين (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ) أي ما أدري لعل تأخير هذا الوعد أو إبهام وقته أو تأخير الأمر بالجهاد امتحان لكم لينظر كيف تعملون وتمتيع لكم (إِلى حِينٍ) حضور وقت الموعد. وقال الحسن : لعل ما أنتم عليه من الدنيا ونعيمها بلية لكم. وقيل : أراد لعل ما بينت وأعلمت وأوعدت ابتلاء لكم لأن المعرض عن الإيمان مع البيان حالا بعد حال يكون عذابه أشد. ومعنى (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) أقض بيني وبين من يكذبني بالعذاب. قال قتادة : أمره الله تعالى أن يقتدي بالأنبياء في هذه الدعوة وكانوا يقولون (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٨٩] فاستجيب له فعذبوا ببدر ، وقال جار الله : بالحق لا تحابهم وشدد عليهم كما هو حقهم كما قال «أشدد وطأتك على مضر» (١) وقيل : معناه وافعل بيني وبينهم بما يظهر الحق للجميع تنصرني عليهم كأنه سبحانه قال له : قل داعيا إليّ رب احكم بالحق وقل متوعد للكفار (وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ) الذي يستعان به (عَلى ما تَصِفُونَ) من الشرك والكفر وما تعارضون به دعوتي من الأباطيل ، وكانوا يطمعون أن يكون لهم الغلبة والدولة فقلب الله الأمر عليهم. وفي هذا الأمر تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم ورفع عن مقداره حيث أمر بالانقطاع إلى الرب في دفع أذية القوم ليحصل له مع الخلاص من أذيتهم شرف الاستجابة وهذه غاية العناية.
التأويل : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) فيه إشارة إلى أن السالك إذا عبر المقامات التي ذكرنا تصير متفرقات شمله مجتمعة في الفناء بالله والبقاء به ، فيكون أمة واحدة في ذاته كما أن إبراهيم كان أمة فيعرفه الله نفسه ويقول (أَنَا رَبُّكُمْ) الذي بلغتكم هذه الرتبة (فَاعْبُدُونِ) أي فاعرفون (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) فمنهم من سكن إلى الدنيا ، ومنهم من سكن إلى الجنة ، ومنهم من فر إلى الله (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) أما طالب الدنيا فيرجع إلى صورة قهرنا وهي جهنم ،
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الأذان باب ١٢٨. مسلم في كتاب المساجد حديث ٢٩٤ ، ٢٩٥. أبو داود في كتاب الوتر باب ١٠. النسائي في كتاب التطبيق باب ٢٧. الدارمي في كتاب الصلاة باب ٢١٦.