لأن كل من تجاوز عن تكاليف الله فقد طغا ، ومنه قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦] والمهاد الفراش وقد مر مرارا. وقوله (هذا) قد مر بعض إعرابه في الوقوف ، ويحتمل أن يراد العذاب هذا ثم ابتدأ فقال هو حميم أو منه (حَمِيمٌ) ومنه (غَسَّاقٌ) أو (هذا فَلْيَذُوقُوهُ) معناه ليذوقوا هذا فليذوقوه كقوله (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [النحل : ٥١] وقيل : (حَمِيمٌ) مبتدأ و (هذا) خبره. والغساق بالتخفيف والتشديد ما يغسق من صديد أهل النار. يقال : غسقت العين إذا سال دمعها. وذكر الأزهري أن الغاسق البارد ولهذا قيل لليل الغاسق لأنه أبرد من النهار. فالحميم يحرق بحرّه ، والغساق يحرق ببرده. وقال الزجاج : إنه المنتن لو قطرت منه قطرة في المغرب لنتنت أهل المشرق يؤيده قول ابن عمر : هو القيح الذي يسيل منهم يجتمع فيسقونه. وقال كعب : هو عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي سم من عقرب وحية. وعن الحسن : هو عذاب لا يعلمه إلا الله. إن الناس أخفوا لله طاعة فأخفى لهم ثوابا في قوله (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧] وأخفوا معصية فأخفى لهم عقوبة : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) أي ومذوقات أخر أو عذاب أو مذوق آخر من جنس هذا المذوق. و (أَزْواجٌ) أي أجناس أو مقترنات صفة الآخر لأنه جاز أن يكن مختلفات أو صفة للثلاثة المذكورة وهي حميم وغساق وشيء آخر من شكله ، والمجموع خبر هذا أو خبر هو.
وحين وصف مسكن الطاغين ومأكولهم ومشروبهم حكى أحوالهم مع الذين كانوا يعدونهم أحباءهم في الدنيا ثم مع الذين كانوا يعدونهم أعداءهم. أما الأوّل فقوله (هذا) أي يقول الطاغون بعضهم مع بعض وذلك إذا دخلت أمة ثم دخل آخرون. والفوج الأوّل الرؤساء والثاني الأتباع. وقيل : الأول إبليس وبنوه والثاني أبناء آدم هذا (فَوْجٌ) أي جمع كثيف دخل النار في صحبتكم. والاقتحام الدخول في الشدة أرادوا أن أتباعهم اقتحموا معهم العذاب كما اقتحموا معهم الضلال. وقوله (لا مَرْحَباً بِهِمْ) دعاء منهم على أتباعهم و (مَرْحَباً) نصب على أنه مفعول به أو مصدر أي أتيت رحبا لا ضيقا ، أو رحبت بلادك رحبا فإذا دخل عليه لا صار دعاء السوء وبهم بيان للمدعو عليهم. وقوله (إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) تعليل لاستيجابهم اللعن. قيل : إنما قالوا ذلك ولم يصدر من الأتباع ذنب في حق من قبلهم لأن النار تكون مملوءة منهم ، أو لأن عذابهم يضاعف بسببهم. وقيل : هو إخبار لا دعاء أي وقد وردوا موردا لا رحب فيه ولا سعة. وقيل (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) كلام الخزنة لرؤساء الكفرة فما بين أتباعهم. وقيل : هذا كله كلام الخزنة (قالُوا) أي الأتباع. (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) أي الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحق به وعللوا ذلك بقولهم