(أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) والضمير لما هم فيه من العذاب أو الصلي أي كنتم السبب في العمل الذي هذا جزاؤه فجمعوا بين مجازين ، لأن الأتباع هم الذين عملوا عمل السوء لا رؤساؤهم والعمل هو المقدّم لا جزاؤه. ومن جعل قوله (لا مَرْحَباً) بهم من كلام الخزنة ، زعم أن تقدير الكلام هذا الذي دعا به علينا الخزنة أنتم يا رؤساء أحق به منا لإغوائكم إيانا وتسببكم لما نحن فيه. (فَبِئْسَ الْقَرارُ) أي المستقر النار (قالُوا) أي الفوج وهو كالبدل من (قالُوا) الأوّل والضعف المضاعف كما مر في «الأعراف» وأما الثاني فقوله (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) أي في اعتقادنا لأن دينهم على خلاف ديننا ، أو أرادوا أنهم أراذل لا خير فيهم يعنون فقراء المسلمين. وعن بعضهم أن القائلين صناديد قريش كأبي جهل والوليد وأضرابهما والرجال عمار وبلال وصهيب وأمثالهم. من قرأ (أَتَّخَذْناهُمْ) بفتح الهمزة فعلى أنه إنكار منهم على أنفسهم وتأنيب لها بالاستسخار منهم ، وكذا فيمن قرأ (أَتَّخَذْناهُمْ) بكسر الهمزة ويقدر همزة الاستفهام محذوفة ، ومن جعلها صفة أو حالا فلا إشكال وحينئذ يتصل (أَمْ زاغَتْ) بقوله (ما لَنا لا نَرى) أي الرجال الموصوفين في النار كأنهم ليسوا فيها بل أزاغت عنهم أبصارنا وخفي علينا مكانهم فلا نراهم وهم فيها. فأم منقطعة وكذا إن اتصل بقوله (أَتَّخَذْناهُمْ) على الاستفهام لأن الأول للإنكار ، والثاني للاستخبار. ويجوز أن يكون «أم» متصلة وكلاهما للإنكار. ومعنى زيغ الأبصار ازدراؤهم وتحقيرهم يؤيده قول الحسن ، كل ذلك قد فعلوا اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم واللام في الأبصار عوض من الضمير أي أبصارنا (إِنَّ ذلِكَ) الذي حكينا عنهم (لَحَقٌ) لا بد لهم وقوعه لأنهم مالوا إلى عالم التضاد فيحشرون ، كذلك. ثم بين ما هو فقال هو (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) لأن التلاعن والتشاتم نوع من أنواع الخصومة.
واعلم أنه سبحانه لما بدأ في أول السورة بأن محمدا يدعو إلى التوحيد وأن الكفار يستهزؤن منه وينسبونه إلى السخرية تارة وإلى الكذب أخرى. ثم ذكر طرفا من قصص الأنبياء عليهمالسلام ليعلم أن الدنيا دار تكليف وبلاء لا دار إقامة وبقاء. ثم عقبه بشرح نعيم الأبرار وعقاب الأشرار ، عاد إلى تقرير المطالب المذكورة في أوّل السورة وهي صحة نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم وصدق ما يدعو إليه من التوحيد والإخلاص فقال (قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ) من جميع الوجوه (الْقَهَّارُ) لما دونه ثم أردف القهر باللطف والتربية قائلا (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) ثم أكد صفتي القهر واللطف بقوله (الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) فمن عزته أدخل أهل الاستكبار النار ولمغفرته أعدّ الجنة لأهل الاستغفار. قوله (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) أي القول بأن الله واحد نبأ عظيم أو القول بالنبوّة أو بإثبات الحشر