أفرد بعد أن جمع لأن الزلزلة تراها الناس جميعا ، وأما السكر الشامل للناس فإنه يراه من له أهلية الخطاب بالرؤية وقتئذ ولعله ليس إلا النبي صلىاللهعليهوسلم قوله (سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) أثبت السكر أولا على وجه التشبيه فإن الخوف مدهش كالمسكر ، ونفاه ثانيا على التحقيق إذ لم يشربوا خمرا وهذه أمارة كل مجاز. روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يقول الله عزوجل يوم القيامة : يا آدم فيقول : لبيك وسعديك. فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار. قال : يا رب وما بعث النار؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ، فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقالوا : يا رسول الله أينا ذلك الرجل؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد ، أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود.» (١) واختلفوا في أن شدة ذلك اليوم تحصل لكل واحد أو لأهل النار خاصة فقيل : إن الفزع الأكبر يعم وغيره يختص بأهل النار وإن أهل الجنة يحشرون وهم آمنون. وقيل : تحصل للكل ولا اعتراض لأحد على الله.
ثم أراد أن يحتج على منكري البعث فقدم لذلك مقدمة تشمل أهل الجدال كلهم فقال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ) نظيره (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) [البقرة : ٨] وقد مر إعرابه في أول البقرة. ومعنى (فِي اللهِ) في شأن الله وفيما يجوز عليه وما لا يجوز من الصفات والأفعال ويفهم من قوله (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أن المعارف كلها ليست ضرورية وأن المذموم من الجدال هو هذا القسم ، وأما الجدال الصادر عن العلم والتحقيق فمحمود مأمور به في قوله (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] والشيطان المريد العاتي سمي بذلك لخلوه عن كل خير وقد مر في قوله (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) [التوبة : ١٠١] والمراد إبليس وجنوده أو رؤساء الكفار الذين يدعون أشياعهم إلى الكفر. عن ابن عباس نزلت في النضر بن الحرث وكان مجادلا يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين والله غير قادر على إحياء من بلي وصار ترابا. ومعنى (كُتِبَ عَلَيْهِ) قضي على ذلك الشيطان أو علم من حاله وظهر وتبين ، والأول يليق بأصول الأشاعرة ، والثاني بأصول الاعتزال. وقيل : المراد كتب على من يتبع الشيطان ، ولا يخلو عن تعسف أنه من تولى الشيطان أي جعله وليا له أضله عن طريق الجنة
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ٧. مسلم في كتاب الإيمان حديث ٣٧٩. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٢٢ باب ١ ، ٢. أحمد في مسنده (١ / ٣٨٨) (٢ / ١٦٦) (٣ / ٣٢ ، ٣٣).