وهداه إلى النار ، قال صاحب الكشاف إن الأول فاعل (كُتِبَ) والثاني عطف عليه. وفيه نظر لأن «من» يبقى بلا جواب إن جعلت شرطية وبلا خبر إن جعلت موصولة. والصحيح أن قوله (فَأَنَّهُ) مبتدأ أو خبر محذوف صاحبه والتقدير من تولاه فشأنه أنه يضله أو أنه يضله ثابت اللهم إلا إذا جعلت «من» موصوفة تقديره كتب على من يتبع الشيطان أنه شخص تولى الشيطان فأنه كذا أي كتب عليه ذلك ، وحين نبه عموما على فساد طريقة المجادلين بغير علم خصص المقصود من ذلك ، والمعنى إن ارتبتم في البعث فمعكم ما يزيل ريبكم وهو أن تنظروا في بدء خلقكم ، فبين التراب والنطفة والماء الصافي كماء الفحل لأنه ينطف نطفانا أي يسيل سيلا تاما مباينة ، وكذا بين النطفة والعلقة وهي قطعة الدم الجامد لأنها إذ ذاك تعلق بالرحم ، وكذا بين العلقة والمضغة وهي قدر ما يمضغ من اللحم ، ولا ريب أن القادر على تقليب الإنسان في هذه الأطوار المتباينة ابتداء قادر على إعادته إلى أحد هذه الأطوار بل هذه أدخل في القدرة وأهون في القياس. قال الجوهري : المخلقة التامة الخلق. وقال قتادة والضحاك : أراد إنه يخلق المضغ متفاوتة منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب ، ومنها ما هو على عكس ذلك فلذلك يتفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصهم. وقال مجاهد : المخلقة الولد يخرج حيا ، وغير المخلقة السقط لأنه لم يتوارد عليها خلق بعد خلق وقيل : المخلقة المصورة وغير المخلقة ضدها وهو الذي يبقى لحما من غير تخطيط وشكل ، ويناسبه ما روى علقمة عن عبد الله قال : إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكا فقال : يا رب مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة مجتها الأرحام دما ، وإن قال مخلقة قال : يا رب فما صفتها أذكر أم أنثى ما رزقها وأجلها أشقي أم سعيد؟ فيقول سبحانه : انطلق إلى الكتاب فاستنسخ منه هذه النطفة فينطلق الملك فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي اخر صفتها. وقوله (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) غاية لقوله (خَلَقْناكُمْ) أي إنما نقلناكم من حال إلى حال ومن طور إلى طور لنبين لكم بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا. وفي ورود الفعل غير معدي إلى المبين إشعار بأن ذلك المبين مما لا يكتنه كنهه ولا يحيط به الوصف ، وقيل : أراد إن كنتم في ريب من البعث فإنا نخبركم أنا خلقناكم من كذا وكذا لنبيّن لكم ما يزيل ريبكم في أمر بعثكم ، فإن القادر على هذه الأشياء كيف يعجز عن الإعادة؟ ولما بين كيفية خلق الإنسان بالتدريج إلى أن تتكامل أعضاؤه أراد أن يبين أن من الأبدان ما تمجه الأرحام ، ومنها ما تنطوي هي عليه إلى كمال النضج والتربية ، فأسقط القسم الأول اكتفاء بالثاني فاستأنف قائلا (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) أن نقره من ذلك (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو كمال ستة أشهر إلى أربع سنين غايتها عرفت بالاستقراء (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) أي كل واحد منكم طفلا ، أو الغرض الدلالة على الجنس فاكتفي بالواحد ، (ثُمَ) نربيكم شيئا بعد شىء