(لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) ومن قرأ (وَنُقِرُّ) بالنصب فمعناه خلقناكم مدرجين هذا التدريج لغايتين : إحداهما أن نبين قدرتنا ، والثانية أن نقر في الأرحام من نقر حتى تولدوا وتنسلوا وتبلغوا حد التكليف. والأشد كمال القوة والتمييز كأنه شدة في غير شيء واحد فلذلك بني على لفظ الجمع قوله (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وقد مر في «النحل» شبيهه فليرجع إليه.
ثم أكد أمر البعث بالاستدلال من حال النبات أيضا فقال (وَتَرَى) أي تشاهد أيها المستحق للخطا (الْأَرْضَ) حال كونها (هامِدَةً) ميتة يابسة لا نبات بها ، والتركيب يدل على ذهاب ما به قوام الشيء ورواؤه من ذلك. همدت النار همودا طفئت وذهبت بكليتها وهمد الثوب همودا بلي (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) تحركت ولا يكاد يستعمل الاهتزاز إلا في حركة تصدر عن سرور ونشاط (وَرَبَتْ) انتفخت وزادت كما مر في قوله (زَبَداً رابِياً) [الرعد : ١٧] وذلك في «الرعد» والمراد كمال تهيؤ الأرض لظهور النبات منها. ومن قرأ بالهمزة فمعناه ارتفعت من قولهم «ربأ القوم» إذا كان لهم طليعة فوق شرف. ثم أشار إلى كمال حاله في الظهور بقوله (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أي بعضا من كل صنف. (بَهِيجٍ) والبهجة النضارة وحسن الحال ولهذا قال المبرد : هو الشيء المشرق الجميل. وإسناد الإنبات إلى الأرض مجاز لأن المنبت بالحقيقة هو الله (ذلِكَ) الذي ذكرنا من خلق بني آدم وإحياء الأرض مع ما في تضاعيف ذلك من عجائب الصنع وغرائب الإبداع حاصل (ب) أمور خمسة : الأول (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) الثابت الذي لا يزول ملكه وملكه لا حق في الحقيقة إلا هو فما سواه يكون مستندا إلى خلقه وتكوينه لا محالة. الثاني أنه من شأنه إحياء الموتى. الثالث (أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وهذا كالبيان لما تقدمه فإن القادر على كل شيء ممكن قادر لا محالة على إحياء الموتى لأنه من جملة الممكنات وبيان إمكانه ظاهر. فإن كل ما جاز على شيء في وقت ما جاز عليه في سائر الأوقات إذ لو امتنع فإما لغيره فالأصل عدمه ، وإما لذاته وهذا يقتضي أن لا يتصف به أولا فإن ما بالذات لا يزول بالغير. الرابع والخامس قوله (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) قال في الكشاف : معناه أنه حكيم لا يخلف ميعاده ، وقد وعد الساعة والبعث فلا بد أن يفي بما وعد. قلت : إن هذا التفسير غير واف فلقائل أن يقول : فحاصل الآيات يرجع إلى قولنا (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ) بالتدريج وأحيينا الأرض بسبب أنا وعدنا الساعة ووعدنا صادق. وهذا كلام غير منتظم في الظاهر كما ترى ، ولو صح هذا لاستغنى عن التطويل بأن يقال مثلا : لا تشكوا في أمر البعث فإنه كائن لا محالة. والذي يسنح لي في تفسيره أنه سبحانه أزال الشك في أمر البعث بقوله (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) فمزيل