حيث شاء. وانتصب قوله و (الْبُدْنَ) بفعل يفسره ما بعده. ومعنى جعلها من شعائر الله أنها من أعلام الشريعة التي شرعها الله. عن بعض السلف أنه لم يملك إلا تسعة دنانير فاشترى بها بدنة فقيل له في ذلك فقال : سمعت ربي يقول (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) أي ثواب في الآخرة كما ذكرنا. وبعضهم لم يفرق بين الآيتين فحمل كلا منهما على خير الدنيا والآخرة ، والأنسب ما فسرناه حذرا من التكرار ما أمكن. ومعنى (صَوافَ) قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن ، ولعل السر فيه تكثير سوادها للناظرين وتقوية قلوب المحتاجين. (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) أي سقطت على الأرض من وجبت الحائط وجبة سقطت ، ووجبت الشمس وجبة غربت. والمعنى إذا زهق روحها حل لكم الأكل منها وإطعام القانع والمعتر فالقانع السائل والمعتر الذي لا يسأل تعففا. وقيل : بالعكس فهما من الأضداد كأن القانع قنع بالسؤال أو قنع بما قسم له فلا يسأل ، والمعتر رضي بعرّه أي عيبه فلا يسأل أو يسأل. ثم منّ على عباده بأن سخر لهم البدن أن يحتبسوها صافة قوائمها مطعونا في لباتها مثل التسخير الذي شاهدوا وعلموا يأخذ بخطامها صبي فيقودها إلى حيث يشاء ، وليست بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر جرما وأقل قوة لو لا أنه سبحانه سخرها. يروى أن أهل الجاهلية كانوا يلطخون الأوثان وحيطان الكعبة بلحوم القرابين ودمائها فبين الله تعالى ما هو المقصود منها فقال (لَنْ يَنالَ اللهَ) أي لن يصيب رضا الله أصحاب اللحوم والدماء المهراقة بمجرد الذبح والتصدق. (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) بأن يكون القربان حلالا روعي فيها جهات الأجزاء ثم يصرفها فيما آمر. ثم كرر منة التسخير وأن الغاية تكبير الله على الهداية لأعلام دينه ومناسك حجه ، وصورة التكبير وما يتعلق بها قد سبق في «البقرة» في آية الصيام. قالت المعتزلة : لما لم ينتفع المكلف بالأجسام التي هي اللحوم والدماء وانتفع بتقواه وجب أن تكون التقوى فعلا له وإلا كان بمنزلة الأجسام. وأيضا إنه قد شرط التقوى في قبول العمل وصاحب الكبيرة غير متق فوجب أن لا يقبل عمله. والجواب أنه لا يلزم من عدم انتفاعه ببعض ما ليس من أفعاله أن لا ينتفع بكل ما ليس من أفعاله. وأيضا إن صاحب الكبائر اتقى الشرك فيصدق عليه أنه متق (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) إلى أنفسهم بتوفير الثواب عليها. والإحسان بالحقيقة أن تعبد الله كأنك تراه ، وفيه ترغيب لما شرط من رعاية الإخلاص في القرابين وغيرها. وحين فرغ من تعداد بعض مناسك الحج ومنافعها وكان الكلام قد انجر إلى ذكر الكفار وصدهم عن المسجد الحرام أتبعه بيان ما يزيل ذلك الصد ويمكن من الحج وزيارة البيت فقال (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ) ومن قرأ (يُدافِعُ) فمعناه يبالغ في الدفع (عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) فعل المغالب والمدفوع هو بأس المشركين وما كانوا يخونون الله ورسوله فيه يدل عليه تعليله