«أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر» (١) أبين بكسر الهمزة وفتحها اسم رجل بنى هذه البلدة ونزل بها. وقيل: الدخان يكون في القيامة إذا خرجوا من قبورهم يحيط بالخلائق ويغشاهم. وقيل: الدخان الشر والفتنة. وعن ابن مسعود: خمس قد مضت الروم والدخان والقمر والبطشة واللزام. وذلك أن قريشا لما استصعبت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا عليهم فقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني ويوسف. فأصابهم اللزام وهو القحط حتى أكلوا الجيف ، وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان فيسمع كلام صاحبه ولا يراه من الدخان. فمشى إليه صلىاللهعليهوسلم أبو سفيان ونفر معه وناشدوه الله والرحم ، وواعدوه إن دعا لهم وكشف عنهم أن يؤمنوا. فلما كشف عنهم من الدخان رجعوا إلى شركهم وذلك قوله (هذا عَذابٌ) أي قائلين هذا إلى آخره.
ثم استبعد منهم الاتعاظ بقوله (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ) ما هو أعظم من كشف الدخان وهو القرآن المعجز وغيره فلم يتذكروا و (تَوَلَّوْا عَنْهُ) واتهموه صلىاللهعليهوسلم بأنه إنما يعلمهن بشر ونسبوه إلى الجنون. ومعنى «ثم» تبعيد الحالتين. ثم بين أنهم يعودون إلى الكفر عقيب كشف العذاب عنهم زمانا قليلا. واعلم أن ارتدادهم إلى الكفر أمر ممكن سواء يجعل الدخان من أمارات القيامة أو يقال إنه قد مضى. والبطشة الكبرى القيامة أو يوم بدر على التفسيرين. و (يَوْمَ) ظرف لما دل عليه منتقمون فإن ما بعد «أن» لا يعمل فيما قبله. وقيل: بدل من (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ) ثم سلى رسوله صلىاللهعليهوسلم بقصة موسى. ومعنى (فَتَنَّا) امتحنا وقد وصفه بالكرم لأنه كان حبيبا في قومه أو بكرم خلقه ، أو المراد أنه لم يخاشنهم في التبليغ كما قال (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) [طه: ٤٤] و «أَنْ» مفسرة لأن مجيء الرسول يتضمن القول ، أو مخففة من الثقيلة ، أو مصدرية والياء محذوف. و (عِبادَ اللهِ) مفعول به لقوله (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) [طه: ٤٧] أو منادى والمعنى أدوا إليّ يا عباد الله ما هو واجب عليكم من الإيمان والطاعة. والقصة مذكورة في «الشعراء» وغيرها و (أَنْ تَرْجُمُونِ) أن تقتلون أو تشتمون بالنسبة إلى الكذب والسحر (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي) أي لم تصدقوني ففارقوني وكونوا بمعزل عني لا عليّ ولا لي (فَدَعا رَبَّهُ) شاكيا (أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) مصرون على الكفر (فَأَسْرِ) أي فأجبنا دعاءه وقلنا له أسر وكان من دعائه اللهم عجل لهم
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الفتن باب ٣٩ أبو داود في كتاب الملاحم باب ١٢ ابن ماجه في كتاب الفتن باب ٢٨ أحمد في مسنده (٤ / ٦) بلفظ «ترون عشر آيات: الدخان والدجال .... ونزول عيسى ....»