ما يستحقونه بإجرامهم. ويحتمل أن يكون الدعاء وهو ما في «يونس» (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) [الآية: ٨٨] وفي (رَهْواً) وجهان: أحدهما ساكنا أي لا تضربه. ثانيا واتركه على هيئته من انتصاب الماء وكون الطريق يبسا. وذلك أن موسى أراد أن يضربه ثانيا حتى ينطبق ويزول الانفاق خوفا من أن يدركهم قوم فرعون ، والله تعالى أراد أن يدخل القبط البحر ثم يطبقه عليهم ، وثانيهما أن الرهو الفجوة الواسعة أي اتركه مفتوحا منفجرا على حاله. والنعمة بفتح النون التنعم والباقي مذكور في «الشعراء». وقوله (فَما بَكَتْ) كان إذا مات الرجل الخطير قالوا في تعظيم مصيبته بكت عليه السماء والأرض وأظلمت الدنيا ، ومنه الحديث «وما من مؤمن مات في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء» وفيه تمثيل وتخييل وتهكم بهم أنهم كانوا يستعظمون أنفسهم ويعتقدون أنهم لو ماتوا لقال الناس فيهم ذلك ، فأخبر ما كانوا في هذا الحد بل كانوا أنهم دون ذلك. وجوز كثير من المفسرين أن يكون البكاء حقيقة وجعلوا الخسوف والكسوف والحمرة التي تحدث في السماء وهبوب الرياح العاصفة من ذلك. قال الواحدي في البسيط: روي أنس بن مالك أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «ما من عبد إلا له في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل فيه عمله ، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا هذه الآية.» ثم إن هؤلاء الكفار لم يكن لهم عمل صالح يصعد إلى السماء فلا جرم لم تبك عليهم. وعن الحسن: أراد أهل السماء والأرض أي ما بكت عليهم الملائكة والمؤمنون بل كانوا بهلاكهم مسرورين (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) أي لما جاء وقت هلاكهم لم يمهلوا إلى الآخرة بل عجل لهم في الدنيا. قوله (مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل من العذاب بل جعل في نفسه عذابا مهينا لشدة شكيمته وفرط عتوه. وقيل: المضاف محذوف أي من عذابه. وقيل: تقديره المهين الصادر من فرعون ، وفي قراءة ابن عباس (مِنْ فِرْعَوْنَ) على الاستفهام أي ما ظنكم بعذاب من تعرفونه أنه عال قاهر عات مجاوز حد الاعتدال. ثم ثنى على بني إسرائيل بقوله (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) بإيتاء الملك والنبوة (عَلى عِلْمٍ) منا باستحقاقهم ذلك وقيامهم بالشكر عليه على عالمي زمانهم. ولا ريب أن هذا قبل التحريف. وقيل: أي على علم منا بأنه يبدو منهم بوادر وتفريطات والبلاء النعمة أو المحنة ، والآيات هي التسع وغيرها.
ثم عاد إلى ما انجر الكلام فيه وهو قوله (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) فقال (إِنَّ هؤُلاءِ) يعني كفار قريش (لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) قال المفسرون: يؤل إلى ما حكى عنهم في موضع آخر (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [المؤمنون: ٣٧] وذلك أن النزاع إنما وقع في موتة تعقبها حياة فأنكروا أن تكون موتة بهذا الوصف إلا الموتة الأولى وهو