صفة. الواو في قوله (وَقَدْ خَلَتِ) إما أن تكون للحال والمعنى أنذرهم وهم عالمون بإنذار الرسل من قبل ومن بعده ، وإما أن يكون اعتراضا والمعنى واذكروا وقت إنذار هود قومه (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك فأذكرهم قوله (لِتَأْفِكَنا) أي لتصرفنا عن عبادة آلهتنا. قوله (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) أي لا علم لي بالوقت الذي عينه الله لتعذيبكم فلا معنى لاستعجالكم ولهذا نسبهم إلى الجهالة ، وأيّ جهل أعظم من نسبة نبي الله إلى الكذب. ومن ترك طريقة الاحتياط ومن استعجال ما فيه هلاكهم ، والضمير في قوله (فَلَمَّا رَأَوْهُ) عائد إلى الموعود ، أو هو مبهم يوضحه قوله (عارِضٌ) أي سحاب عرض في نواحي السماء. والإضافة في قوله (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) و (مُمْطِرُنا) لفظية ولهذا صح وقوعها صفة للنكرة. والتدمير الإهلاك والاستئصال. وفي قوله (بِأَمْرِ رَبِّها) إشارة إلى إبطال قول من زعم أن مثل هذه الآثار مستند إلى تأثيرات الكواكب بالاستقلال. ثم زاد في تخويف كفار مكة وذكر فضل عاد في القوة الجسمانية وفي الأسباب الخارجية عليهم فقال (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) قال المبرد: «ما» موصولة و «إن» نافية أي في الذي لم نمكنكم فيه. وقال ابن قتيبة: «إن» زائدة وهذا فيه ضعف لأن الأصل حمل الكلام على وجه لا يلزم منه زيادة في اللفظ ، ولأن المقصود فضل أولئك القوم على هؤلاء حتى يلزم المبالغة في التخويف ، وعند تساويهما يفوت هذا المقصود. وقيل: «إن» للشرط والجزاء مضمر أي في الذي إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر. قوله (مِنْ شَيْءٍ) أي شيئا من الإغناء وهو القليل منه. وقوله (إِذْ كانُوا) ظرف لما أغنى وفيه معنى التعليل كقولك «ضربته إذ أساء». قوله (مِنَ الْقُرى) يريد من قريات عاد وثمود ولوط وغيرهم بالشام والحجاز واليمن ، وتصريف الآيات أي تكريرها. قيل: للعرب المخاطبين والأظهر أنه للماضين لقوله (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن شركهم ، والأوّلون حملوه على الالتفات. ثم وبخهم بأن أصنامهم لم يقدروا على نصرتهم وشفاعتهم. فقوله (آلِهَةً) مفعول ثان لـ (اتَّخَذُوا) والمفعول الأول محذوف وهو الراجع إلى (الَّذِينَ) و (قُرْباناً) حال أو مفعول له أي متقربين إلى الله ، أو لأجل القربة بزعمهم. والقربان مصدر أو اسم لما يتقرب به إلى الله عزوجل. ويجوز أن يكون (قُرْباناً) مفعولا ثانيا و (آلِهَةً) بدلا أو بيانا. قوله (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) أي عدم نصرة آلهتهم وضلالهم عنهم وقت الحاجة محصول إفكهم وافترائهم ، أو عاقبة شركهم وثمرة كذبهم على الله.
وحين بيّن أن الإنس من آمن وفيهم من كفر ، أراد أن يبين أن نوع الجن أيضا كذلك. وفي كيفية الواقعة قولان: أحدهما عن سعيد بن جبير وعليه الجمهور: كانت الجن تسترق