رجلا برجلين من المشركين. وذهب بعض أصحاب الرأي أن الآية منسوخة. وأن المنّ والفداء إنما كان يوم بدر فقط وناسخها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة: ٥] وليس للإمام إلا القتل أو الاسترقاق. وعن مجاهد: ليس اليوم منّ ولا فداء إنما هو الإسلام أو ضرب العنق. وقوله (حَتَّى تَضَعَ) يتعلق بالضرب والشدّ أو بالمنّ والفداء. والمراد عند الشافعي أنهم لا يزالون على ذلك أبدا إلى أن لا يكون حرب مع المشركين وذلك إذا لم يبق لهم شوكة. وأوزار الحرب آلاتها وأثقالها التي لا تقوم الحرب إلا بها. قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها |
|
رماحا طوالا وخيلا ذكورا |
فإذا أنقضت الحرب فكأنها وضعت أسبابها. وقيل: أوزارها آثامها والمضاف محذوف أي حتى يترك أهل الحرب. وهم المشركون شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا. وعلى هذا جاز أن يكون الحرب جمع حارب كالصحب جمع صاحب فلا يحتاج إلى تقدير المضاف. وفسر بعضهم وضع الحرب أوزارها بنزول عيسى عليهالسلام. عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال: «يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى عليهالسلام إماما هاديا وحكما عدلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير وتضع الحرب أوزارها حتى تدخل كلمة الإخلاص كل بيت من وبر ومدر» (١) وعند أبي حنيفة: إذا علق بالضرب والشدّ فالمعنى أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار ، وذلك إذا لم تبق شوكة للمشركين. وإذا علق بالمنّ والفداء فالحرب معهودة وهي حرب بدر. ثم بين أنه منزه في الانتقام من الكفار عن الاستعانة بأحد فقال (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) بغير قتال أو بتسليط الملائكة أو أضعف خلقه عليهم (وَلكِنْ) أمركم بقتالهم (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) فيمتحن المؤمنين بالكافرين هل يجاهدون في سبيله حق الجهاد أم لا ، ويبتلي الكافرين بالمؤمنين هل يذعنون للحق أم لا إلزاما للحجة وقطعا للمعاذير. ومعنى الابتلاء من الله سبحانه قد مر مرارا أنه مجاز أي يعاملهم معاملة المختبر ، أو ليظهر الأمر لغيره من الملائكة أو الثقلين.
ثم وعد الشهداء والمجاهدين بقوله (وَالَّذِينَ قُتِلُوا) أو قاتلوا على القراءتين (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) خلاف الكفرة (سَيَهْدِيهِمْ) إلى الثواب ويثبتهم على الهداية (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) أمر معاشهم في المعاد أو في الدنيا ، وكرر لأن الأوّل سبب النعيم ، والثاني نفس
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب المظالم باب ٣١ مسلم في كتاب الإيمان حديث ٢٤٢ ، ٣٤٣ أبو داود في كتاب الملاحم باب ١٤ الترمذي في كتاب الفتن ٥٤ ابن ماجه في كتاب الفتن باب ٣٣ أحمد في مسنده (٢ / ٢٤٠) إلى قوله «ويقتل الخنزير»