النعيم (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) جعل كل واحد بحيث يعرف ماله في الجنة كأنهم كانوا سكانها منذ خلقوا. وعن مقاتل: يعرفها لهم الحفظة وعسى أنه عرفها بوصفها في القرآن. وقيل: طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة. ثم حث على نصرة دين الله بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) أي دينه أو رسوله (يَنْصُرْكُمْ) على عدوّكم ويفتح لكم (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) في مواقف الحرب أو على جادّة الشريعة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) حالهم بالضد. يقال: تعسا له في الدعاء عليه بالعثار والتردّي. عن ابن عباس: هو في الدنيا القتل ، وفي الآخرة الهويّ في جهنم. وهو من المصادر التي يجب حذف فعلها سماعا والتقدير: أتعسهم الله فتعسوا تعسا ولهذا عطف عليه قوله (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ثم بين سبب بقائهم على الكفر والضلال بقوله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن والتكاليف لألفهم بالإهمال وإطلاق العنان (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) التي لا استناد لها إلى القرآن أو السنة. ثم هدّدهم بحال الأقدمين وهو ظاهر. ودمر عليه ويقال دمره فالثاني الإهلاك مطلقا ، والأوّل إهلاك ما يختص به من نفسه وماله وولده وغيره (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) الضمير للعاقبة أو العقوبة. والأوّل مذكور ، والثاني مفهوم بدلالة التدمير فإن كان المراد الدعاء عليهم فاللام للعهد وهم كفار قريش ومن ينخرط في سلكهم ، وإن كان المراد الإخبار جاز أن يراد هؤلاء. والقتل والأسر نوع من التدمير وجاز أن يراد الكفار الأقدمون (ذلِكَ) النصر والتعس (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) أي وليهم وناصرهم (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) بمعنى النصرة والعناية ، وأما بمعنى الربوبية والمالكية فهو مولى الكل لقوله (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) [يونس: ٣٠] ثم برهن على الحكم المذكور وهو أن ولايته مختصة بالمؤمنين فقال (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ) الآية. فشبه الكافرين بالأنعام من جهة أن الكافر غرضه من الحياة التنعم والأكل وسائر الملاذ لا التقوى والتوسل بالغذاء إلى الطاعة وعمل الآخرة ، ومن جهة أنه لا يستدل بالنعم على خالقها ، ومن جهة غفلتهم عن مآل حالهم وأن النار مثوى لهم. ثم زاد في تهديد قريش بقوله (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهل قرية هم (أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ) أهل (قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) تسببوا لخروجك. وقوله (فَلا ناصِرَ لَهُمْ) حكاية تلك الحال كقوله (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ) [الكهف: ١٨] ثم بين الفرق بين أهل الحق وحزب الشيطان بقوله على طريق الإنكار (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) معجزة ظاهرة وحجة باهرة (مِنْ رَبِّهِ) يريد محمدا وأمته قوله (وَاتَّبَعُوا) محمول على معنى «من» وهو تأكيد للتزيين كما أن كون البينة من الرب تأكيد لها. وحين أثبت الفرق بين الفريقين أراد أن يبين الفرق بين جزائهما فقال (مَثَلُ الْجَنَّةِ) أي صفتها العجيبة الشأن. وفي إعرابه وجهان: أحدهما ما مر في الوقوف ، والثاني قول الزمخشري في الكشاف أنه على حذف حرف الاستفهام ، والتقدير: