أمثل الجنة وأصحابها كمثل جزاء من هو خالد في النار ، أو كمثل من هو خالد؟ وفائدة التعرية عن حروف الاستفهام زيادة تصوير مكابرة من يسوّي بين الفريقين. وقوله (فِيها أَنْهارٌ) كالبدل من الصلة أو حال. والآسن المتغير اللون أو الريح أو الطعم ومصدره الأسون والنعت آسن مقصورا ، واللذة صفة أو مصدر وصف به كما مر في «الصافات» ، والباقي ظاهر. قال بعض علماء التأويل: لا شك أن الماء أعم نفعا للخلائق من اللبن والخمر والعسل فهو بمنزلة العلوم الشرعية لعموم نفعها للمكلفين كلهم ، وأما اللبن فهو ضروري للناس كلهم ولكن في أوّل التربية والنماء فهو بمنزلة العلوم الغريزية الفطرية ، وأما الخمر والعسل فليسا من ضرورات التعيش فهما بمنزلة العلوم الحقيقة السببية إلا أن الخمر يمكن أن تخص بالعلوم الذوقية. والعسل بسائرها وقد يدور في الخلد أن هذه الأنهار الأربعة يمكن أن تحمل على المراتب الإنسانية الأربع. فالعقل الهيولاني بمنزلة الماء لشموله وقبوله الآثار ، والعقل بالملكة بمنزلة اللبن لكونه ضروريا في أوّل النشوء والتربية ، والعقل بالفعل بمنزلة الخمر فإن حصوله ليس بضروري لجميع الإنسان إلا أنه إذا حصل وكان الشخص ذاهلا عنه غير ملتفت إليه كان كالخمر الموجب للغفلة وعدم الحضور ، والعقل المستفاد بمنزلة العسل من جهة لذته ومن جهة شفائه لمرض الجهل ومن قبل ثباته في المذاق للزوجته ودسومته والتصاقه والله تعالى أعلم بمراده. وقوله (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) إن قدر ولهم مغفرة من الله قبل ذلك فلا إشكال ، وإن قدر لهم فيها مغفرة أمكن أن يقال: إنهم مغفورون قبل دخول الجنة فما معنى الغفران بعد ذلك؟ والجواب أن المراد رفع التكليف يأكلون من غير حساب ولا تبعة وآفة بخلاف الدنيا فإن حلالها حساب وحرامها عذاب. ثم ذكر نوعا آخر من قبيح خصال الكافرين وقيل أراد المنافقين فقال (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) كانوا يحضرون مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم والجمعات ويسمعون كلامه ولا يعونه كما يعيه المسلم (حَتَّى إِذا خَرَجُوا) انصرفوا وخرج المسلمون (مِنْ عِنْدِكَ) يا محمد قال المنافقون للعلماء وهم بعض الصحابة كابن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء: أيّ شيء قال محمد (آنِفاً) أي في ساعتنا هذه. وأنف كل شيء ما تقدمه ومنه فولهم «استأنفت الأمر» ابتدأته. ولا يستعمل منه فعل ثلاثي بهذا المعنى. وإنما توجه الذم عليهم لأن سؤالهم سؤال استهزاء وإعلام أنهم لم يلتقتوا إلى قوله ، ولو كان سؤال بحث عما لم يفهموه لم يكن كذلك ، على أن عدم الفهم دليل قلة الاكتراث بقوله. ثم مدح أهل الحق بقوله (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) بالإيمان (زادَهُمْ) الله (هُدىً) بالتوفيق والتثبيت وشرح الصدر ونور اليقين (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) أعانهم عليها أو أعطاهم جزاء تقواهم. وعن السدي: بين لهم ما يتقون. وقيل: الضمير في (زادَهُمْ) للاستهزاء أو لقول الرسول صلىاللهعليهوسلم. ثم خوف أهل الكفر