[الآية: ٥٣] ويجوز أن يكون أمرا للمنافقين أي قولوا طاعة وقول معروف. (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) أي جدّ وصار معزوما عليه وهو إسناد مجازي لأن العزم لأصحاب أمر القتال. ثم التفت وخاطب كفار قريش بقوله (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) هو من أفعال المقاربة وقد مر وجوه استعمالاته في «البقرة» في قوله (عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [الآية: ٢١٦] فنقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب ليكون أبلغ في التوبيخ ومعناه هل يتوقع منكم (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) وأعرضتم عن الدين أو توليتم أمور الناس (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي والافتراق بعد الاجتماع على الإسلام (وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) بالقتل والعقوق ووأد البنات وسائر ما كنتم عليه في الجاهلية من أنواع الإفساد ، وفي سلوك طريقة الاستخبار المسمى في غير القرآن بتجاهل العارف ، إمالة لهم إلى طريق الإنصاف وحث لهم على التدبر وترك العصبية والجدال ، فقد كانوا يقولون كيف يأمرنا النبي صلىاللهعليهوسلم بالقتال والقتال إفناء لذوي أرحامنا وأقاربنا ، فعرض الله سبحانه بأنهم إن ولوا أمور الناس أو أعرضوا عن هذا الدين لم يصدر عنهم إلا القتل والنهب وسائر أبواب المفاسد كعادة أهل الجاهلية. ثم صرح بما فعل الله بهم واستقر عليه حالهم فقال (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) بعدهم عن رحمته. ثم بين نتيجة اللعن قائلا (فَأَصَمَّهُمْ) أي عن قبول الحق بعد استماعه وهذا في الدنيا (وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) أي في الآخرة أو عن رؤية الحق والنظر إلى المصنوعات. قال بعض العلماء: إنما لم يقل فأصم آذانهم لأن الأذن عبارة عن الشحمة المعلقة ، والسمع لا يتفاوت بوجودها وعدمها ، ولذلك يسمع مقطوع الأذن. وأما الرؤية فتتعلق بالبصر نفسه ، فالتأكيد هناك إنما يحصل بترك ذكر الأذن وهاهنا بذكر الأبصار والله أعلم. قال جار الله: يجوز أن يريد بالذين آمنوا المؤمنين الخلص الثابتين وذلك أنهم كانوا يأنسون بالوحي. فإذا أبطأ عليهم التمسوه ، فإذا نزلت سورة في معنى الجهاد رأيت المنافقين يضجرون منها.
سؤال: لما أثبت لهم الصمم والعمى فكيف وبخهم بقوله (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)؟ وأجيب على مذهب أهل السنة بأن تكليف ما لا يطاق جائز. ويمكن أن يقال: لما أخبر عنهم بما أخبر حكى أنهم بين أمرين: إما أن لا يتدبروا القرآن لأن الله أبعدهم عن الخير ، وإما أن يدبروا لكن لا يدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة. قال جار الله: إنما نكرت القلوب لأنه أريد البعض وهو قلوب المنافقين أو أريد على قلوب قاسية مبهم أمرها. وإنما أضيفت الأقفال إلى ضمير القلوب لأنه أريد الأقفال المختصة بها وهي أقفال الكفر والعناد التي استغلقت فلا تنفتح. ثم أخبر عن حال المنافقين أو اليهود الذين غيروا حالهم من بعد ما تبين لهم حقيقة الإسلام أو نعت محمد في التوراة فقال (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا) الآية.