(ذلِكَ) الإملاء أو الإضلال أو الارتداد بسبب أنهم قالوا للذين كرهوا أي قال اليهود للمنافقين ، أو قال المنافقون ليهود قريظة والنضير ، أو قاله اليهود أو المنافقون للمشركين (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) الذي يهمكم كالتظافر على عداوة محمد والقعود عن الجهاد معه أو في بعض ما تأمرون به ، وهو ما يتعلق بتكذيب محمد لا في إظهار الشرك واتخاذ الأصنام وإنكار المعاد (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) فلذلك أفشى الذي قالوه سرا فيما بينهم وسيجازيهم على حسب ذلك يدل عليه قوله (فَكَيْفَ) يعملون وما حيلتهم حين توفتهم ملائكة الموت (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) التي كانوا يتقون أن يصيبها آفة في القتال ، أو يضربون وجوههم عند الموت وأدبارهم عند السوق إلى النار. وقيل: يضربون وجوههم عند الطلب وأدبارهم حين الهرب (ذلِكَ) الإذلال والإهانة (بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) كأنهم ضربوا وجوههم لأنهم أقبلوا على مواجب السخط ، وضربوا أدبارهم لأنهم أعرضوا عما فيه رضا الله. وقد يخص السخط بكتمان نعت الرسول ومعاونة أهل الشرك والرضا بالإيمان به والنصرة للمؤمنين. وإنما قال (ما أَسْخَطَ اللهَ) ولم يقل «ما أرضى الله» لأن رحمته سبقت غضبه ، فالرضا كالأمر الحاصل والإسخاط كالأمر المترتب على شيء. ثم زاد في تعيير المنافقين بقوله (أَمْ حَسِبَ) وهي منقطعة. والضغن إضمار سوء يتربص به إمكان الفرصة. وإخراج الأضغان إبرازها للرسول صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين كما قال (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) أي لو شئنا أريناك أماراتهم (فَلَعَرَفْتَهُمْ) كررت لام جواب «لو» في المعطوف لأجل المبالغة (بِسِيماهُمْ) بعلامتهم. عن أنس أنه ما خفي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد هذه الآية شيء من المنافقين ، ولقد كنا في بعض الغزوات وفيها تسعة منهم يشكوهم الناس فناموا ذات ليلة وأصبحوا وعلى جبهة كل واحد منهم مكتوب «هذا منافق». ومعنى لحن القول نحوه وأسلوبه وفحواه أي يقولون ما معناه النفاق كقولهم (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ) [المنافقون: ٨] (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) [الأحزاب: ١٣] أو لتعرفنهم في فحوى كلام الله حيث قال ما يعلم منه حال المنافقين كقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) [البقرة: ٨] (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) [التوبة: ٧٥] وحقيقة اللحن ذهاب الكلام إلى خلاف جهته. وقيل: اللحن أن تميل كلامك إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية قال:
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا |
|
واللحن يعرفه ذوو الألباب |
ويقال للمخطئ لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب. وقال الكلبي: لحن القول كذبه. ولم يتكلم بعد نزولها منافق عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا عرفه. وعن ابن عباس هو قولهم