ما لنا إن أطعنا من الثواب ولا يقولون ما علينا إن عصينا من العقاب (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) فيميز خيرها من شرها وإخلاصها من نفاقها (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي لنأمرنكم بما لا يكون متعينا للوقوع بل يحتمل الوقوع واللاوقوع كما يفعل المختبر حتى يظهر المجاهد والصابر من المنافق والمضطرب. (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) التي تحكي عنكم كقولكم (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة: ٨] أو عهودكم كقوله (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) [الأحزاب: ١٥] أو أسراركم أو ما ستفعلونه أو أخباركم الأراجيف كقوله (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) [الأحزاب: ٦٠] عن الفضل أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم لا تبلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا. ثم أنزل في اليهود من قريظة والنضير أو في رؤساء قريش المطعمين يوم بدر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. وأعمالهم طاعاتهم في زمن اليهودية ، ومكايدهم التي نصبوها في عداوة الرسول صلىاللهعليهوسلم أو إطعامهم. ثم أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله بالتوحيد والتصديق مع الإخلاص وأن لا يبطلوا إحسانهم بالمعاصي والرياء وبالمن والأذى. عن أبي العالية قال: كان أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يرون إنه لا يضر مع «لا إله إلا الله» ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت الآية ، فكانوا يخافون الكبائر على أعمالهم. وعن قتادة: رضي الله عن عبد لم يحبط عمله الصالح بعمله السيء. ثم أراد أن يبين أن أعمال المكلف إذا بطلت فإن فضل الله باق يغفر له إن شاء ما لم يمت على الكفر فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. قال مقاتل: نزلت في رجل سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن والده وقال: إنه كان محسنا في كفره. وعن الكلبي: نزلت في رؤساء أهل بدر. (فَلا تَهِنُوا) لا تضعفوا ولا تجبنوا (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح. ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار «أن» بعد الواو في جواب النهي (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) الغالبون المستولون عليهم (وَاللهُ مَعَكُمْ) بالنصرة والكلاءة (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي لن ينقصكم جزاء أعمالكم من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو قريب أو سلبت ماله وأصله من الوتر وهو الفرد ، كأنك أفردته من قريبه أو ماله. وفي الحديث «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» (١) وهو من فصيح الكلام. ثم زادهم حثا على الجهاد بتحقير الدنيا في أعينهم وبأنه سبحانه إنما يحثهم على الإيمان والجهاد وسائر أبواب التقوى لتعود
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب المواقيت باب ١٤ مسلم في كتاب المساجد حديث ٢٠٠ ، ٢٠١ أبو داود في كتاب الصلاة باب ٥ الترمذي في كتاب المواقيت باب ١٤ النسائي في كتاب الصلاة باب ١٧ ابن ماجه في كتاب الصلاة باب ٦ الدارمي في كتاب الصلاة باب ٢٧ الموطأ في كتاب الوقوت حديث ٢١ أحمد في مسنده (٢ / ٨ ، ١٣)