الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة ، أنزل الله (إِنَّا فَتَحْنا) فقال صلىاللهعليهوسلم: لقد أنزل عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا كلها. والحديبية بئر سمي المكان بها وكان قد غاض ماؤها فتمضمض فيها النبي صلىاللهعليهوسلم فجاء بالماء حتى عمهم. وعن ابن شهاب: لم يكن في الإسلام فتح أعظم من فتح الحديبية وضعت الحرب وأمن الناس. وقال الشعبي: أصاب النبي صلىاللهعليهوسلم في تلك الغزوة ما لم يصب في غيرها ، بويع فيها بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، وظهرت الروم على فارس ، وكان صلىاللهعليهوسلم وعد به فصح صدقه وأطعم نخل خيبر. وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد هجرته إلى المدينة أحب أن يزور بيت الله الحرام بمكة فخرج قاصدا نحوه في سنة ست من الهجرة ، وخرج معه أولو البصيرة وتخلف من كان في قلبه مرض ظنا منه أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا. واستصحب سبعين بدنة لينحرها بمكة ، ولما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم بالعمرة لتعلم قريش أنه لم يأت لقتال وكانوا ألفا وثلاثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة فبايعوه إلا جد بن قيس فإنه اختبأ تحت إبطي ناقته ، فجاءه عروة بن مسعود لإيقاع صلح. فلما رأى أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم فقال: أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله على أني أرى وجوها وأسرابا خليقا أن يفروا ويدعوك؟ فشتمه أبو بكر. فلما عاد إلى قريش قال: لقد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم من الملوك وما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا. والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم ، وما يحدّون النظر إليه تفخيما ، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها منه. فلما اتفقوا على الصلح جاء سهيل بن عمرو المخزومي وتصالحوا على أن لا يدخل النبي صلىاللهعليهوسلم مكة سنته بل يعود في القابل ويقيم ثلاثة أيام ثم ينصرف ، فلما كتب علي بن أبي طالب رضياللهعنه «بسم الله الرحمن الرحيم». قال سهيل: ما نعرف «الرحمن الرحيم» اكتب في قضيتنا ما نعرف «باسمك اللهم». ولما كتب «هذا ما صالح محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم». قال: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك ، اكتب محمد بن عبد الله. فتنازع المسلمون وقريش في ذلك وكادوا يتواثبون ، فمنعهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمرهم بالإجابة فكتب «هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا على أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ، ومن قدم المدينة مجتازا إلى مصر والشام أو يبتغي من فضل الله فهو على دمه وأهله آمن ، وعلى أنه من جاء محمدا من قريش فهو إليهم ردّ ، ومن جاءهم من