أمته. وقيل: أراد جميع الذنوب فحدّ أوّلها وآخرها ، أو هو على وجه المبالغة كما تقول: أعطى من رأى ومن لم يره. وقيل: ما تقدم من أمر مارية وما تأخر من أمر زينب وهو قول سخيف لعدم التئام الكلام ظاهرا. والأولى أن يقال: ما تقدم النبوّة بالعفو وما تأخر عنها بالعصمة (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بإعلاء دينك وفتح البلاد على يدك لقوله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة: ٣] ومن إتمام النعمة تكليف الحج وقد تم يومئذ ولم يبق للنبي صلىاللهعليهوسلم عدوّ من قريش ، فإن كثيرا منهم وقد أهلكوا يوم بدر ، والباقين آمنوا واستأمنوا يوم الفتح. وقيل: إتمام النعمة في الدنيا باستجابة الدعاء في طلب الفتح وفي الآخرة بقبول الشفاعة (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي يثبتك ويهديك عليه فإن الفتح لا يكون إلا لمن هو على صراط الله ، ولعل المراد بهذا الخطاب هو أمته. والنصر العزيز ذو العزة وهو الذي لا ذل بعده ، أو هو بمعنى المعز أو الممتنع على الغير وهو النفيس الذي لا يناله كل أحد. وفي الآية تفخيم شأن الفتح والنصر من وجوه: أحدها لفظ (إنا) الدال على التعظيم. وثانيها لفظ (لك) الدال على الاختصاص. وثالثها إعادة اسم الله في الموضعين أوّلا وآخرا. ثم بين سبب النصر بقوله (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) وهي السكون والوقار والطمأنينة والثقة بوعد الله كما مر في «البقرة» وفي «التوبة» (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) أي يقينا مع يقينهم أو إيمانا بالشرائع مع إيمانهم بالله. وعن ابن عباس أن أول ما أتاهم به النبي صلىاللهعليهوسلم التوحيد ، فلما آمنوا بالله وحده أنزل الصلاة ثم الزكاة ثم الجهاد ثم الحج ، أو ازدادوا إيمانا استدلاليا مع إيمانهم الفطري. وعلى هذا ففائدة قوله (مَعَ إِيمانِهِمْ) أن الفطرة تشهد بالإيمان ، فلما عرفوا صحة الإيمان بالنظر والاستدلال انضم هذا الثاني إلى الأول. وجنود السموات والأرض ملائكتهما ، ويمكن أن يراد بمن في الأرض الثقلان والحيوان غير الإنسان. ويحتمل أن يراد بالجنود معنى أعم وهو الأسباب الأرضية والسماوية فيدخل فيهما الصيحة والرجفة. وظن السوء هو ظنهم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم ، أو أن الله تعالى لا ينصرهم على أعدائهم ، أو أن لله شريكا ، أو أنه لا يقدر على إحياء الموتى. ومعنى دائرة السوء أن ضرر ظنهم يعود إليهم ويدور عليهم وقد مر في سورة التوبة. قال بعض العلماء: ضم المؤمنات هاهنا إلى المؤمنين بخلاف قوله (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: ١] (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الأحزاب: ٤٧] ونحو ذلك. والسر فيه أن كل موضع يوهم اختصاص الرجال به مع كون النساء مشاركات لهم ذكرهن صريحا نفيا لهذا التوهم ، وكل موضع لا يوهم ذلك اكتفى فيه بذكر الرجال لأنهم الأصل في أكثر الأحكام والتكاليف. مثلا من المعلوم أن البشارة والنذارة عامة للناس