قاطبة فلم يحتج فيهما إلى ذكر النساء بخلاف هذه الآية فإن إدخال الجنة يوهم أنه لأجل الجهاد مع العدوّ والفتح على أيديهم والمرأة لا جهاد عليها ، فكان يظن أنهن لا يدخلن الجنات فنفى الله تعالى هذا الوهم ، وكذا الكلام في تعذيب المنافقات والمشركات. نكتة الجنود المذكورة أوّلا هي جنود الرحمة فكانوا سببا لإدخال المؤمنين الجنة بالإكرام والتعظيم ثم إلباسهم خلع الكرامة لقوله (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) ثم تشريفهم بالفوز العظيم من الله كما قال (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) وأما الكافر فعكس منه الترتيب: أخبر بتعذيبهم أوّلا على الإطلاق ، ثم فصل بأنه يغضب عليهم أوّلا ثم يوبقهم في خبر اللعن والبعد عن الرحمة ، ثم يسلط عليهم ملائكة العذاب الذين هم جنوده كما قال (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) [التحريم: ٦] ولا ريب أن كل ذلك على قانون الحكمة إلا أنه قرن العلم في الأول إلى الحكمة تنبيها على أن إنزال السكينة وازدياد إيمان المؤمنين وترتيب الفتح على ذلك كانت كلها ثابتة في علم الله ، جارية على وفق الحكمة. وقرن العز بالحكمة ثانيا لأن العذاب والغضب وسلب الأموال والغنائم يناسب ذكر العزة والغلبة والقهر زادنا الله إطلاعا على أسرار قرآنه الكريم وفرقانه العظيم.
ثم مدح رسوله صلىاللهعليهوسلم وذكر فائدة بعثته ليرتب عليه ذكر البيعة فقال (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) على أمتك (وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) وقد مر في سورة الأحزاب مثله إلا أن قوله (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) قائم مقام قوله هناك (وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ) [الآية: ٤٦] من قرأ على الغيبة فظاهر ، وأما من قرأ على الخطاب فلتنزيل خطاب النبي منزلة خطاب المؤمنين. وقوله (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) كلاهما بمعنى التعظيم من العز والوقار ينوب منابه. قوله هناك (وَسِراجاً مُنِيراً) وذلك أن النور متبع والتبجيل والتعظيم دليل المتبوعية. وقال جار الله: الضمائر كلها لله عزوجل وتعظيم دينه ورسوله. وقوله (وَتُسَبِّحُوهُ) من التسبيح أو من السبحة وهي صلاة التطوع. و (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) للدوام أو المراد صلاة الفجر والعصر وحدها أو مع الظهر قاله ابن عباس. (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) هي بيعة الرضوان تحت الشجرة كما يجيء في السورة. وقيل: ليلة العقبة وفيه بعد. وسماها مبايعة تشبيها بعقد البيع نظيره (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) [التوبة: ١١١] (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) لأن طاعة الرسول هي طاعة الله في الحقيقة. ثم أكد هذا المعنى بقوله (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) قال أهل المعاني: هذا تمثيل وتخييل ولا جارحة هناك. وقيل: اليد النعمة أي نعمة الله عليهم بالهداية فوق إحسانهم إلى الله بإجابة البيعة كما قال (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ) [الحجرات: ١٧] قال القفال: هو من