وقصته أنه رأى في المنام أن ملكا قال له (لَتَدْخُلُنَ) إلى قوله (لا تَخافُونَ) فأخبر أصحابه بها ففرحوا وجزموا بأنهم داخلوها في عامهم ، فلما صدّوا عن البيت واستقر الأمر على الصلح قال بعض الضعفة: أليس كان يعدنا النبي صلىاللهعليهوسلم أن نأتي البيت فنطوف به؟ فقال لهم أهل البصيرة: هل أخبركم أنكم تأتونه العام؟ فقالوا: لا. قال: فإنكم تأتونه وتطوفون بالبيت فأنزل الله تصديقه. ومعنى (صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) صدقه في رؤياه ولم يكذبه. وقوله (بِالْحَقِ) إما أن يكون متعلقا بـ (صَدَقَ) أي صدقه فيما رأى صدقا متلبسا بالحق وهو أن يكون ما أراه كما أراه ، وإما أن يكون حالا من الرؤيا أي متلبسة بالحق يعني بالغرض الصحيح وهو الابتلاء ، وتميز المؤمن المخلص من المنافق المرائي. وجوّز أن يكون (بِالْحَقِ) قسما لأنه اسم من أسماء الله سبحانه ، أو لأن المراد الحق الذي هو نقيض الباطل فتكون اللام في (لَتَدْخُلُنَ) جواب القسم لا للابتداء فيحسن الوقف على (الرُّؤْيا). والبحث عن الحلق والتقصير وسائر أركان الحج والعمرة وشرائطهما استوفيناها في سورة البقرة فليتذكر. وفي ورود (إِنْ شاءَ اللهُ) في خبر الله عزوجل أقوال أحدها: أنه حكاية قول الملك كما روينا. والثاني أن ذلك خارج على عادة القرآن من ذكر المشيئة كقوله (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) والمعنى إن الله يفعل بالعباد ما هو الصلاح فيكون استثناء تحقيق لا تعليق. والثالث أنه أراد لتدخلن جميعا إن شاء ولم يمت أحد أو لم يغب. والرابع أنه تأديب وإرشاد إلى استعمال الاستثناء في كل موضع لقوله صلىاللهعليهوسلم وقد دخل البقيع «وأنا إن شاء الله بكم لا حقون» (١) وليس في وقوع الموت استثناء. الخامس أنه راجع إلى حالة الأمن وعدم الخوف. ثم رتب على الصدق وعلى سوء ظن القوم قوله (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) من الحكمة في تأخير الفتح إلى العام القابل (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) الفتح (فَتْحاً قَرِيباً) وهو فتح خيبر. ثم أكد صدق الرؤيا بل صدق الرسول في كل شيء بقوله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ) الآية. وذلك أنه كذب رسوله كان مضلا ولم يكن إرساله سببا لظهور دينه وقوة ملته ، وقد مر نظير الآية في سورة التوبة. ومن استعلاء هذا الدين أنه لا ترى أهل ملة إلا والمسلم غالب عليه إلا أن يشاء الله. وقد يقال: إن كمال العز والغلبة عند نزول عيسى عليهالسلام فلا يبقى على الأرض كافر (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على أن هذا الدين يعلو ولا يعلى.
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الطهارة حديث ٣٩ أبو داود في كتاب الجنائز باب ٧٩ النسائي في كتاب الطهارة ، باب ١٠٩ ابن ماجه في كتاب الجنائز باب ٣٦ أحمد في مسنده (٢ / ٣٠٠ ، ٣٧٥) (٥ ، ٣٥٣)