لهم مع النعيم المقيم لقاء الرب الكريم. قوله عز من قائل (هذا ما تُوعَدُونَ) قال جار الله: إنه جملة معترضة. وقوله (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) بدل من قوله (لِلْمُتَّقِينَ) قلت: ولو جعل خبرا ثانيا لهذا لم يبعد. والمشار إليه الثواب أو الإزلاف. والأوّاب الرجاع إلى الله بالإعراض عما سواه ، والحفيظ الحافظ لحدود الله أو لأوقات عمره أو لما يجده من المقامات والأحوال فلا ينكص على عقبيه فيصير حينئذ مريدا لطريقه. قوله (مَنْ خَشِيَ) قد مر وجوه إعرابه في الوقوف. وجوز أن يكون منادى كقولهم «من لا يزال محسنا أحسن إليّ» وحذف حرف النداء للتقريب والترحيب ، وقرن بالخشية اسمه الدال على وفور الرحمة للثناء على الخاشي من جهة الخشية أوّلا ومن جهة خشيته مع علمه بسعة جوده ورحمته ومن جهة الخشية مع الغيب وقد مر مرارا ، وقد يقال: إنها الخشية في الخلوة حيث لا يراه أحد. قال أهل الاشتقاق: إن تركيب خ ش ى يلزمها الهيبة ومنه للسيد ولكبير السن وتركيب الخوف يدل على الضعف ومنه الخفاء ، وكل موضع ذكر فيه الخشية أريد بها معنى عظمة المخشي عنه ، وكل موضع ذكر فيه الخوف فإنه أريد ضعف الخائف كقوله (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل: ٥٠] أو ضعف المخوف منه كقوله (لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ) [العنكبوت: ٣٣] يريد أنه لا عظمة لهم وقال (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً) [الإنسان: ١٠] لأن عظمة اليوم بالنسبة إلى عظمة الله هينة. ووصف القلب بالمنيب باعتبار صاحبه أو لأن الإنابة المعتبرة هي الرجوع إلى الله بالقلب لا اللسان والجوارح (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) أي سالمين من الآفات أو مع سلام من الله وملائكته (ذلِكَ) إشارة إلى قوله (يَوْمَ نَقُولُ) أي ذلك اليوم (يَوْمُ) تقدير (الْخُلُودِ) في النار أو في الجنة ويجوز أن يكون إشارة إلى وقت القول أي حين يقال لهم ادخلوها هو وقت تقدير الخلود في الجنة يؤيده قوله بعده (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) مما لم يخطر بالقلوب. ويجوز أن يراد به الذي ذكر في قوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس: ٢٦] ويروى أن السحاب تمر بأهل الجنة فتمطر عليهم الحور فتقول الحور: نحن المزيد الذي قال الله تعالى (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ).
ثم عاد إلى التهديد بوجه أجمل وأشمل قائلا (وَكَمْ أَهْلَكْنا) الآية. ومعنى الفاء في قوله (فَنَقَّبُوا) للتسبيب عما قبله من الموت كقوله «هو أقوى من زيد فغلبه» أي شدّة بطشم أقدرتهم على التنقيب وأورثتهم ذلك وساروا في أقطار الأرض وسألوا (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) أي مهرب من عذاب الله فعلموا أن لا مفر (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي ذكر من أوّل السورة إلى هاهنا أو من حديث النار والجنة أو من إهلاك الأمم الخالية (لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) واع فإن الغافل في حكم عديم القلب وإلقاء السمع الإصغاء إلى الكلام وفي قوله (وَهُوَ شَهِيدٌ)