(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) [الأنعام: ١٣٢] بخلاف قوله (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [التوبة: ١٢] (لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء: ٤٨] فإنه لنفي الوقوع. والظاهر أن فاعل رأى محمد صلىاللهعليهوسلم وقيل: الفؤاد أو البصر أي ما رآه الفؤاد ولم يقل له إنه جن أو شيطان أو لم يكذب الفؤاد ما رآه بصر محمد صلىاللهعليهوسلم. وما المرئي فيه أقوال: أحدها ما مر وهو أنه رأى جبريل في صورته بالأفق الشرقي. والثاني الآيات العجيبة الإلهية. والثالث الرب تعالى والمسألة مبنية على جواز الرؤية وقد تقدم البحث عن ذلك في قوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام: ١٠٣] ثم على وقوع الرؤية وقد تقدم خلاف الصحابة فيه في حديث معراج النبي صلىاللهعليهوسلم وذلك في أول «سبحان الذي». ولعل القول الأول أصح. يروي أنه ما رأى جبريل أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد صلىاللهعليهوسلم مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء ، وإليه إشارة بقوله (أَفَتُمارُونَهُ) من المراء أي أتجادلونه (عَلى ما يَرى) ومن قرأ أفتمرونه فمعناه أتغلبونه في المراء يقال: ماريته فمريته. ولما فيه من معنى الغلبة عدي بـ «على» وقيل: معناه أفتجحدونه. ولا بد من تضمين معنى الغلبة. (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) أي مرة أخرى فانتصبت على الظرف لأن الفعلة صيغة المرة فكانت النزلة في حكم المرة أي نزل عليه جبريل في صورته تارة أخرى في ليلة المعراج ووجه الاستفهام الإنكاري أنه لما رآه وهو على بسيط الأرض احتمل أن يقال: إنه كان من الجن احتمالا بعيدا فلما رآه (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) لم يحتمل أن يكون هناك جن ولا إنس فلم يبق للجدال مجال. أما القائل بالقول الثالث فزعم أن النبي صلىاللهعليهوسلم رأى ربه بقلبه مرتين. والنزلة إما لله بمعنى الحركة والانتقال عند من يجوز ذلك ، أو بمعنى قرب الرحمة والإفضال ، وإما للنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه نزل عن متن الهوى ومركب النفس. وقيل: أراد بالنزلة ضدها وهي العرجة ، واختير هذه العبارة ليعلم أن هذه عرجة تتبعها النزلة ليست عرجة لا نزلة لها وهي عرجة الآخرة. وعلى القول الأول أيضا يحتمل أن تكون النزلة لمحمد صلىاللهعليهوسلم وذلك أن جبرائيل تخلف عنه في مقام «لو دنوت أنملة لاحترقت» ثم عاد النبي صلىاللهعليهوسلم إليه. ومعنى أخرى أنه صلىاللهعليهوسلم تردد في أمر الصلاة مرارا فلعله كان ينزل إلى جبرائيل كل مرة لا أقل من نزلتين. أما السدرة فالأكثرون على أنها شجرة في السماء السابعة: وقيل: في السادسة. «نبقها كقلال هجر وورقها كآذان الفيلة ، يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها» (١) وقد ورد الحديث بذلك. فعلى هذا (عِنْدَ) ظرف مكان. ثم إن كان المرئي جبريل فلا إشكال ، وإن كان هو الله تعالى فكقول القائل
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار باب ٤٢ النسائي في كتاب الصلاة باب ١ أحمد في مسنده (٣ / ١٢٨ ، ١٦٤) (٤ / ٢٠٧)