الذين يسمون لا يؤمنون. وثانيهما أنه كيف يلزم من عدم الإيمان بالآخرة هذه التسمية؟ والجواب عن الأول أن اللام للعهد وبه خرج الجواب عن الثاني أيضا لأنه بخير عن جميع معهود أنهم يسمون. ولا يلزم من حمل شيء على شيء أن يكون بينهما ملازمة. ولو سلم أن اللام للعموم فالمراد بمثل هذا التركيب المبالغة والتوكيد كما تقول: الإنسان زيد. وعلى هذا فإن أريد بالحمل مجرد الإخبار فلا إشكال وإن أريد الملازمة فمعناه المبالغة أيضا لأن غاية جهلهم بالآخرة وبالجزاء حملهم على ارتكاب مثل هذا الافتراء على الله ، وإلى هذا أشار بقوله (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) واعلم أن الإمام فخر الدين الرازي رضياللهعنه بحث مع هؤلاء المشركين الذين سموا الملائكة إناثا بحثا طويلا بناء على ظنه بهم أنهم رأوا في لفظ الملائكة تاء فلذلك جعلوه مؤنثا. وحاصل ذلك البحث يرجع إلى أن التاء لا يلزم أن تكون للتأنيث فقد تكون لتأكيد الجمع كحجارة وصقورة ، أو لغير ذلك من المعاني ، ونحن قد أسقطنا تلك البحوث لعدم فائدتها كما نبهناك عليه. ثم بين الله سبحانه قاعدة كلية فقال: (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) أي كل ما يجب أن يحصل منه المكلف على العلم واليقين فلا ينفع فيه الظن والتخمين ، ومن جملته مسائل المبدأ والمعاد التي ينبني البحث فيها على البراهين العقلية والدلائل السمعية ، ومن قنع في أمثالها بالوهم والظن لعدم الاستعداد أو لحفظ بعض المنافع الدنيوية وجب الإعراض عنه كما قال (فَأَعْرِضْ) أي إذا وقفت على قلة استعدادهم وعدم طلبهم للحق فأعرض يا محمد يا طالب الحق (عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) ويجوز أن يكون هذا الإعراض متضمنا للأمر بالقتال أي أعرض عن المقال وأقبل على القتال. وقوله (ذلِكَ) أي الذي ذكر من التسمية أو من اعتقاد كون الأصنام شفعاء (مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) جملة معترضة. ثم بين علة الإعراض قائلا (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ) إلى آخره ، وفيه بيان أنه تعالى يجازي كل فريق بحسب ما يستحقه ، وفيه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم كيلا يتعب نفسه في تحصيل ما ليس يرجى حصوله وهو إيمان أهل العناد الذين قنعوا بالظن بدل العلم ووقفوا لدى الباطل دون الحق. ثم قرر أنه سوى الملك والملكوت لغرض الجزاء والإثابة. والحسنى صفة المثوبة والأعمال ، وإضافة الكبائر إلى الإثم إضافة النوع إلى الجنس لأن الإثم يشمل الكبائر والصغائر. واختلف في الكبائر وقد أشبعنا القول فيها في سورة النساء في قوله (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) [الآية: ٣١] والفواحش ما تزايد قبحه من الكبائر كأنها مع كبر مقدار عقابها قبيحة في الصورة كالشرك بالله. والمراد باللمم الصغائر ، والتركيب يدل على القلة ومنه اللمم المس من الجنون وألم بالمكان إذا قل لبثه فيه قال: