ألمت فحيت ثم قامت فودعت
وإلا صفة كأنه قيل: كبائر الإثم وفواحشه غير اللمم ، أو استثناء منقطع لأن اللمم ليس من الفواحش. عن أبي سعيد الخدري: اللمم هي النظرة والغمزة والقبلة. عن السدي: الخطرة من الذنب. وعن الكلبي: كل ذنب لم يذكر الله عزوجل عليه حدا ولا عذابا. وعن عطاء: هي ما تعتاده النفس حينا بعد حين.
قال جار الله: معنى قوله (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) أنه يكفر الصغائر باجتناب الكبائر ويكفر الكبائر بالتوبة. وأقول: فيه إشارة إلى أن اللمم ما لا يمكن فيه الاجتناب عنه لكل الناس أو لأكثرهم فالعفو عن ذلك يحتاج إلى سعة وكثرة ، بل فيه بشارة أنه سبحانه يغفر الذنوب جميعا سوى الشرك لأن غفران اللمم لا يوجب الوصف بسعة المغفرة وإنما يوجب ذلك أن لو غفر معها الكبائر. وقوله (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) إلى آخره. دليل على وجوب وقوع الغفران لأنه إذا كان عالما بأصلهم وفرعهم كان عالما بضعفهم ونقصهم فلا يؤاخذهم بما يصدر عنهم على مقتضى جبلتهم وطبعهم. فكل شيء يرجع إلى الأصل والأرض بطبعها تميل إلى الأسفل. والجنين أوله نطفة مذرة وآخره الاغتذاء بدماء قذرة ، وإذا كان مبدأ حاله هكذا وهو في أوسط أمره متصف بالظلم والجهل والعاقبة غير معلومة وجب عليه أن لا يزكي نفسه فإن الله تعالى أعلم بالزكي والتقي أولا وآخرا باطنا وظاهرا ، وما أحسن نسق هذه الجمل. وقد أبعد بعض أهل النظم فقال لما ذكر أنه أعلم بمن ضل كان للكافر أن يقول: كيف يعلم الله أمورا نعلمها في البيت الخالي وفي جوف الليل المظلم؟ فأجاب الله تعالى بأنا نعلم ما هو أخفى من ذلك وهو أحوالكم وقت كونكم أجنة. وقوله (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) للتأكيد فإنه إذا خرج من بطن الأم يدعى سقطا أو ولدا. وقيل: أراد أن الضال والمهتدي حصلا على ما هما عليه بتقدير الله وبأنه كتب عليهما في رحم أمهما أنه ضال أو مهتد. وقيل: فيه تقرير الجزاء وتحقيق الجزاء وتحقيق الحشر فإن العالم بأحوال المكلف وهو جنين القادر على إنشائه من الأرض أول مرة ، عالم بأجزائه بعد التفرق ، قادر على جمعه بعد التمزق. والعامل في «إذ» هو «اذكر» أو ما يدل عليه (أَعْلَمُ) أي يعلمكم وقت الإنشاء. والخطاب للموجودين وقت نزول الآية وللآخرين بالتبعية. ويجوز أن يكون الإنشاء من الأرض إشارة إلى خلق أبينا آدم. وقوله (وَإِذْ أَنْتُمْ) يكون خطابا لنا. قوله (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) قال بعض المفسرين: نزل في الوليد بن المغيرة جلس عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسمع وعظه وأثرت الحكمة فيه تأثيرا قويا فقال له رجل: لم تترك دين آبائك؟ قال: أخاف. ثم قال له: لا تخف وأعطني كذا وأنا أتحمل عنك أوزارك فأعطاه ما ألزمه وتولى عن الوعظ واستماع