المؤمنين أجرهم ويضاعفه لهم بفضله حتى يساوي أجرهم مع أضعافه أجر أولئك. وقيل: أريد أنهم شهداء عند ربهم على أعمال عباده. وعن الحسن: كل مؤمن فإنه يشهد كرامة ربه. وعن الأصم. إن المؤمن قائم لله تعالى بالشهادة فيما تعبدهم به من الإيمان والطاعة. ثم ذكر ما يدل على حقارة أمور الدنيا وشبهها في سرعة تقضيها مع قلة جدواها بنبات أنبته الغيث ورباه إلى أن يتكامل نشؤه. ومعنى إعجاب الكفار أنهم جحدوا نعمة الله فيه بعد أن راق في نظرهم فبعث الله عليه العاهة فصيره كلا شيء كما فعل بأصحاب الجنتين في «الكهف» وفي «سبأ» وبأصحاب الجنة في «نون». ومن جعل الكفار بمعنى الزراع فظاهر قاله ابن مسعود وصيرورته حطاما هي عودة إلى كمال حاله في النضج واليبس. ثم عظم أمور الآخرة بتنوين التنكير في قوله (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) للكافرين (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) للمؤمنين قال سعيد بن جبير: الدنيا متاع الغرور إذا ألهتك عن طلب الآخرة. فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله ولقائه فنعم المتاع ونعم الوسيلة. ثم حث على المسابقة إلى المغفرة وإلى الجنة وقد مر نصير في «آل عمران» إلا أن البشارة هاهنا أعم لأنه قال هناك (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) [الآية: ١٣٣] إلى آخره. وهاهنا قال (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) ولأن هؤلاء أدون حالا من أولئك جعل عرض الجنة هنا أقل فقال (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فلم يجمع السماء وأدخل حرف التشبيه الدال على أن المشبه أدون حالا من المشبه به. وفي لفظ (سابِقُوا) هاهنا إشارة إلى أن مراتب هؤلاء مختلفة بعضها أسبق من بعض كالمسابقة في الخيل وفي لفظ (سارِعُوا) هنالك رمز إلى أن كلهم مستوون في القرب أو متقاربون لأن المرتبة العليا واحدة وهي مرتبة السابقين المقربين وإنها غاية الرتب الإنسانية فافهم هذه الأسرار فإن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال الزجاج: لما أمرنا بالمسابقة إلى المغفرة بين أن الوصول إلى الجنة والحصول في النار بالقضاء والقدر فقال (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) أي لا يوجد مصيبة (فِي الْأَرْضِ) من القحط والوباء والبلاء (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) من المرض والفتن (إِلَّا فِي كِتابٍ) أي هو مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ وإنما قيد المصائب بكونها في الأرض والأنفس لأن الحوادث المطلقة كلها ليست مكتوبة في اللوح لأن حركات أهل الجنة والنار غير متناهية فإثباتها في الكتاب محال ولهذا قال «جف القلم بما هو كائن إلى يوم الدين» (١) ولم يقل إلى الأبد.
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب النكاح باب ٨ النسائي في كتاب النكاح باب ٤ بلفظ «قد جف القلم بما أنت لاق»