إِيماناً) [الأنفال: ٢] ويحتمل أن تكون اللام للتعليل أي يجب أن يورثهم الذكر خشوعا ولا يكونوا كمن يذكره بالغفلة. ومن قرأ ولا تكونوا بالتاء الفوقانية فهي الناهية. ومن قرأ بالياء التحتانية احتمل أن يكون منصوبا عطفا على أن تخشع والأمد الأجل والأمل أي طالت المدة بين اليهود والنصارى وبين أنبيائهم ، أو طالت أعمارهم في الغفلة والأمل البعيد فحصلت القسوة في قلوبهم بسببه فاختلفوا فيما أحدثوا من التحريف والبدع. وقال مقاتل بن سليمان: طال عليهم أمد خروج النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو طال عليهم عهدهم بسماع التوراة والإنجيل فزال وقعهما في قلوبهم قاله القرطبي ، وقرئ الأمد بالتشديد أي الوقت الأطول (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين ، وفيه إشارة إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفسوق في آخر الأمر. قال الحسن: أما والله لقد استبطأ قلوب المؤمنين وهم يقرأون من القرآن أقل مما تقرءون فانظروا في طول ما قرأتم منه وما ظهر فيكم من الفسوق. قوله (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ) فيه وجهان: الأول أنه تمثيل والمعنى أن القلوب التي ماتت بسبب القساوة فالموظبة على الذكر سبب لعود حياة الخشوع إليها كما يحيي الله الأرض بالغيث ، الثاني أنه زجر لأهل الفسق وترغيب في الخشوع لأنه يذكر القيامة وبعث الأموات. ثم استأنف وعد المنفقين ووعيد أضدادهم بقوله (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ) وأصله المتصدقين وعطف عليه قوله (وَأَقْرَضُوا اللهَ) لأن الألف واللام بمعنى الذي كأنه قال: إن الذين تصدقوا وأقرضوا. والظاهر أن الأول هو الواجب والثاني هو التطوع لأن تشبيهه بالقرض كالدلالة على ذلك. وأيضا ذكر الأول بلفظ اسم الفاعل الدال على الاستمرار ينبئ عن الالتزام والوجوب. ومن قرأ بتشديد الدال فقط فمعناه إن الذين صدقوا الله ورسوله وأقرضوا ويندرج تحت التصديق الإيمان وجميع الأعمال الصالحات إلا أنه أفرد الإنفاق بالذكر تحريضا عليه كما أنه أفرد الإيمان لتفضيله والترغيب فيه. وقال (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) الكاملون في الصدق إذ لا قول أصدق من التوحيد والاعتراف بالرسالة ، أو هم الكثير والصدق من حيث إنهم ضموا صدقا إلى صدق وهو الإيمان بالله ورسوله أو به وبرسول رسوله. ثم حث على الجهاد بقوله (وَالشُّهَداءُ) وهو مبتدأ حبره (عِنْدَ رَبِّهِمْ) وفيه بيان أنهم من الله بمنزلة وسعة وقد بين ثوابهم الجسماني (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) ويجوز أن يكون قوله (عِنْدَ رَبِّهِمْ) حالا أو صفة للشهداء كقوله «مررت على اللئيم يسبني» وما بعده خبر. وقال الفراء والزجاج: هم الأنبياء لقوله (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) [النساء: ٤١] ومن جعل (الشُّهَداءُ) عطفا على ما قبله قال: أراد أنهم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء وهم الذين سبقوا إلى التصديق واستشهدوا في سبيل الله. قال مجاهد: كل مؤمن فهو صديق وشهيد. وقال جار الله: المعنى أن الله يعطي