في كل ما هو من عند الله (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) بكثرة الآمال وطول الآجال (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) بالموت على النفاق ثم أوقعكم في النار (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ) الشيطان (الْغَرُورُ) فنفخ في خيشومكم إن الله غفور إن باب التوبة مفتوح (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ) أيها المنافقون (فِدْيَةٌ) قيل أي توبة والأولى العموم ليشمل كل ما يفتدى به (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) في الظاهر. فالحاصل أنه لا فرق بين الذين أضمروه فإن كلا منكم (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) وقيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار وقيل: أراد هي أولى بكم. قال جار الله حقيقته هي محراكم ومقمنكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما قيل هو مئنة للكرم أي مكان لقول القائل «إنه لكريم». قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير للفظ من حيث اللغة ، وغرضه أن الشريف المرتضى لما تمسك في إمامة علي رضياللهعنه بقوله صلىاللهعليهوسلم «من كنت مولاه فعلى مولاه» فهذا علي مولانا احتج بقول الأئمة في تفسير الآية أن المولى معناه الأولى ، وإذا ثبت أن اللفظ محتمل وجب حمله عليه لأن ما عداه بين الثبوت ككونه ابن العم والناصر ، أو بين الانتفاء كالمعتق والمعتق فيكون على التقدير الأول عبثا ، وعلى التقدير الثاني كذبا. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنى لا تفسيرا بحسب اللغة سقط الاستدلال. قلت: في هذا الإسقاط بحث لا يخفى. وجوز أن يراد في الآية نفي الناصر لأنه إذا قال هي ناصركم على سبيل التهكم وليس لها نصرة لزم نفي الناصر رأسا كقوله تعالى (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) [الكهف: ٢٩] ويقال ناصره الخذلان ومعينه البكاء.
قوله سبحانه (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) من أنى الأمر يأني إذا جاء إناه أي وقته. قال جمع من المفسرين: نزل في المنافقين الذين أظهروا الإيمان وفي قلوبهم النفاق المباين للخشوع. وقال آخرون: نزل في المؤمنين المحقين. روى الأعمش أن الصحابة لما قدموا المدينة أصابوا لينا في العيش ورفاهية فغيروا بعض ما كانوا عليه فعوتبوا بهذه الآية. وعن أبي بكر الصديق أن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من اليمامة فبكوا بكاء شديدا فنظر إليهم فقال: هكذا كنا حتى قست القلوب. وعن ابن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين. وعن ابن عباس أنه عاتبه على رأس ثلاث عشرة. وقوله (لِذِكْرِ اللهِ) من إضافة المصدر إلى الفاعل أي ترق قلوبهم لمواعظ الله التي ذكرها في القرآن (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) وأراد أن القرآن جامع للوصفين الذكر والموعظة ولكونه حقا نازلا من السماء. ويجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول أي لذكرهم الله والقرآن كقوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ