البشر اسم جمع (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) [الكهف: ١١٠] (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ) [إبراهيم: ١١] قال أهل المعاني: لم يذكر المستغنى عنه في قوله (وَاسْتَغْنَى اللهُ) ليتناول كل شيء ومن جملته إيمانهم وطاعتهم. قال في الكشاف: معناه وظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان مع قدرته على ذلك ، وإنما ذهب إلى هذا التأويل لئلا يوهم أن يوجد التولي والاستغناء معا ويلزم منه أن لا يكون الله في الأزل غنيا. قلت: لو جعل الواو للحال أي وقد كان الله مستغنيا قديما أو والحال وجود استغناء الله في وجودكم لم يحتج إلى التأويل. قوله (زَعَمَ) من أفعال القلوب وفيه تفريع لكفار مكة لأن الزعم ادعاء العلم مع ظهور أمارات خلافه ويؤيده ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «زعموا مطية الكذاب» و (أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) في تقدير مفرد قائم مقام المفعولين. قال جار الله: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) منصوب بقوله (لَتُنَبَّؤُنَ) أو بـ (خَبِيرٌ) لأنه في معنى الوعد كأنه قيل: والله يعاقبكم يوم كذا أو بإضمار «اذكر». قلت: يجوز أن يكون (يَوْمَ) مبنيا على الفتح ومحله ابتداء والخبر جملة قوله (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ).
سؤال: ما الفائدة في زيادة قوله (لِيَوْمِ الْجَمْعِ) الجواب إن كان الخطاب في (يَجْمَعُكُمْ) لكفار مكة فظاهر أي اذكروا وقت جمعكم الواقع في وقت يجمع فيه الأوّلون والآخرون ، وإن كان لعموم الناس فلعل اللام في الجمع للمعهود الذي سلف في نحو قوله (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) [المائدة: ١٠٩] (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) [الكهف ؛ ٤٧] (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الواقعة: ٤٩ ، ٥٠] هذا ما سمح به الفكر الفاتر والله تعالى أعلم بمراده. قال جار الله: التغابن مستعار من تغابن القوم في التجارة وهو أن يغببن بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي ينزلونها لو كانوا أشقياء. قلت: في تسمية القسم الأخير تغابنا نظر إلا أن يفرض بنزول الشقي في ذلك المنزل يزيد عذاب الشقي ، وزيادة العذاب سبب تضيق المكان عليه. واعتذر عنه جار الله بأنه تهكم بالأشقياء لأن خسران أحد الفريقين مبني على ربح الآخر ولا ربح في التحقيق فيلزم التهكم مثل (فَبَشِّرْهُمْ) [آل عمران: ٢١] وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ما من عبد يدخل الجنة إلا يرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا وما من عبد يدخل النار إلا يرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة». ويجوز أن يفسر التغابن بأخذ المظلوم حسنات الظالم وحمل الظالم خطايا المظلوم وإن صح مجيء التغابن بمعنى الغبن فذلك واضح في حق كل مقصر صرف شيئا من استعداده الفطري في غير ما أعطى لأجله. قوله (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)