هذا تقرير السنة والبدعة من جهة الوقت. أما السنة والبدعة من جهة العدد فقال مالك: لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة وكان يكره الثلاث مجموعة أو مفرقة على الأطهار. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يكره ما زاد على الواحدة في طهر واحد ، فأما متفرقا في الأطهار فلا لما روي في قصة ابن عمر: إنما السنة أن يستقبل الطهر استقبالا ، ويطلق لكل قرء تطليقة. وقال الشافعي: لا بأس بإرسال الثلاث وقال: لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة. وقد يستدل بما روي في حديث اللعان أن اللاعن قال: هي طالق ثلاثا. ولم ينكر عليه النبي صلىاللهعليهوسلم. وقالت الشيعة: إذا طلقها ثلاثا يقع واحدة. ومنهم من قال: لا يقع شيء وهو قول سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين. والأصح عند أكثر المجتهدين أن الطلاق البدعي واقع وإن كان صاحبه آثما وعاصيا وهذا مبنيّ على أن النهي لا يوجب فساد المنهي عنه. وفي قصة ابن عمر أنه قال: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثا؟ فقال له: إذن عصيت وبانت منك امرأتك. قالت العلماء: المحرم هو الطلاق بغير عوض فأما إذا خلع الحائض أو طلقها على مال فلا لإطلاق قوله تعالى (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة: ٢٢٩] ولأن المنع كان رعاية لجانبها وبذل المال دليل على شدة الحاجة إلى الخلاص بالمفارقة. قال جار الله: اللام في قوله (النِّساءَ) للجنس وقد علم بقوله (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) أنه مطلق على البعض وهنّ ذوات الأقراء المدخول بهن فلا عموم ولا خصوص. قلت: ما ضره لو جعله عاما لأنه إذا روعي الشرط المذكور في هذا البعض لزم أن يكون طلاق كل النساء من الصغيرة والآيسة والحامل وغير المدخول بها والمدخول بها والمدخول بها بحيث يمكنهن أن يشرعن الطلاق في العدة. قوله (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) أي اضبطوها واحفظوا عدد أيامها ثلاثة أقراء كوامل لا أزيد ولا أنقص (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) يعني من مساكن الفراق وهي بيوت الأزواج أضيفت إليهن لاختصاصها بهنّ من حيث السكنى إلى انقضاء العدة ، وكما أن البعولة لا ينبغي أن يخرجوهنّ غضبا عليهنّ أو لحاجة لهم إلى المساكن كذلك لا ينبغي لهنّ أن يخرجن بأنفسهنّ. وقوله (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ) استثناء من الجملة الأولى أي إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهنّ ، أو إلا أن يطلقهن على النشوز فإن النشوز يسقط حقهنّ في السكنى ، أو إلا أن يبذون فيحل إخراجهنّ لبذائهن ويؤيده قراءة أبيّ إلا أن يفحشن عليكم وقيل: خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه. والمعنى إن خرجت فقد أتت بفاحشة مبينة وعلى هذا يكون الاستثناء من الجملة الثانية. قوله (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) أي أحصوا العدة وألزموهن مساكنكم فلعلكم تندمون بقلب الله البغضة محبة والمقت مقة والطلاق رجعة. والخطاب في (لا تَدْرِي) للنبي صلىاللهعليهوسلم على نسق أول السورة أو لكل مكلف (فَإِذا بَلَغْنَ