هو كل من برىء من النفاق. وقيل: الأنبياء والصحابة والخلفاء. (وَالْمَلائِكَةُ) على كثرة جموعهم (بَعْدَ ذلِكَ) الذي عرف من نصرة المذكورين (ظَهِيرٌ) فوج مظاهر له كأنهم يد واحدة فأي وزن لاتفاق امرأتين بعد تظاهر هؤلاء على ضد مطلوبهما. ولا يخفى أن الكلام مسوق للمبالغة في الظاهر وإلا فكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا.
ثم وبخهما بنوع آخر وهو قوله (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ) الآية. والسائحات الصائمات كما في آخر التوبة. قال جار الله: شبه الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره بالسائح الذي لا زاد معه فلا يزال ممسكا إلى أن يجد من يطعمه. وقيل: السائحات المهاجرات فانظر في شؤم العصيان فإن أمهات المؤمنين وهنّ خير نساء العالمين يصير غيرهن بفرض عدم العصيان خيرا منهن بفرض العصيان وتطليق الرسول إياهن. وقد عرفت في النظائر أن الواو في قوله (وَأَبْكاراً) يقال لها «واو الثمانية» إلا أن للواو في هذا المقام فائدة أخرى وهي أن وصفي الثيابة والبكارة متنافيان لا يكون إلا أحدهما بخلاف الصفات المتقدمة فإنها ممكنة الاجتماع ، فالمراد أن أولئك النساء جامعات للأوصاف المتقدمة ولأحد هذين. ثم عمم التحذير فقال (قُوا أَنْفُسَكُمْ) وهو أمر من الوقاية في الحديث «رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم وصيامكم وزكاتكم مسكينكم ويتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعهم معه في الجنة» وتفسير قوله (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) قد مر في أول «البقرة». وكونها معدّة للكافرين لا ينافي تعذيب المؤمنين الفسقة بها إن استحقوها. وجوز أن يكون أمرا بالتوقي من الارتداد وأن يكون خطابا للذين آمنوا بألسنتهم (عَلَيْها مَلائِكَةٌ) أي موكل على أهلها الزبانية التسعة عشر الموصوفون بالغلظة والشدة في الإجرام أو في الأفعال أو فيهما لأنه لا تأخذهم رأفة بمن عصى الله. وقوله (ما أَمَرَهُمْ) نصب على البدل أي لا يعصون أمر الله. ولا يخفى أن عدم العصيان يستلزم امتثال الأمر فصرح بما عرف ضمنا قائلا (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) ويجوز أن يكون الأوّل عائدا إلى الماضي والثاني إلى المستقبل. ثم وعظ المؤمنين بما يقال للكافرين عند دخولهم النار وهو قوله (لا تَعْتَذِرُوا) لأنه لا عذر لكم أو لا عذر مقبولا لكم ، وليس هذا من قبيل الظلم ولكنه جزاء أعمالهم. ثم أرشد المؤمنين إلى طريق التوبة ، ووصفت بالنصوح على الإسناد المجازي لأن النصح صفة التائبين وهو أن ينصحوا أنفسهم بالتوبة لا يكون فيها شوب رياء ولا نفاق. وقيل: هو من نصاحة الثوب أي توبة ترفأ خروقك في دينك. وقيل: خالصة عسل ناصح إذا خلص من الشمع. وقيل: توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها. و (عَسى) من الكريم إطماع ولئلا يتكلوا. قوله (لا يُخْزِي) تعريض لمن أخزاهم من أهل النار (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [آل عمران: ١٩٢] كأنه استحمد المؤمنين على أنه عصمهم من مثل