(لِنَفْتِنَهُمْ) على أنه سبحانه هو الذي يضل عباده ويوقعهم في الفتن والمحن. والمعتزلة أجابوا بأن الفتنة هنا بمعنى الاختبار كقوله (لِيَبْلُوَكُمْ) [الملك: ٢] ثم بين وعيد المعرضين عن عبادة الله ووحيه. وانتصب (عَذاباً صَعَداً) على حذف الجار أي في عذاب صعد كقوله (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) [المدثر: ٤٢] أو على تضمين معنى الإدخال. والصعد مصدر بمعنى الصعود ، ووصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. وقد روى عكرمة عن ابن عباس أن (صَعَداً) جبل في جهنم من صخرة ملساء يكلف الكافر صعودها ثم يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها في أربعين سنة ، وإذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ثم يكلف الصعود مرة أخرى ، وهكذا أبدا ومن جملة الوحي قوله (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) ذهب الخليل إلى أن الجار محذوف ومتعلقه ما بعده أي ولأجل أن المساجد لله خاصة (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) فيها عن الحسن عني بالمساجد الأرض كلها لأنها جعلت للنبي صلىاللهعليهوسلم مسجدا وهو مناسب لمدح النبي صلىاللهعليهوسلم في هذا المقام أي كما أنه مفضل على الأنبياء ببعثه إلى الثقلين فكذلك خص بهذا المعجز الآخر. وقال جمع كثير من المفسرين: إنها كل موضع بني للصلاة ويشمل مساجدنا والبيع والكنائس أيضا. قال قتادة: كان اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بالله فأمرنا بالإخلاص والتوحيد. وعن الحسن أيضا أن المساجد جمع مسجد بالفتح فيكون مصدرا بمعنى السجود. وعلى هذا قال سعيد بن جبير: المضاف محذوف أي مواضع السجود من الجسد لله وهي الآراب السبعة: الوجه والكفان والركبتان والقدمان. وقال عطاء عن ابن عباس: هي مكة بجميع ما فيها من المساجد ، وأنها قبة الدنيا فكل أحد يسجد إليها. قال الحسن: من السنة أن الرجل إذا دخل المسجد أن يقول «لا إله إلا الله» لأن قوله (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) في ضمنه أمر بذكر الله بدعائه. قوله (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) هو النبي باتفاق المفسرين. ثم قال الواحدي: ذا من كلام الجن لأن الرسول لا يليق به أن يحكي عن نفسه بلفظ المغايبة. ولا يخفى ضعفه فإنه وارد على طريق التواضع والأدب في الافتخار بالانتساب إلى عبودية المعبود الحق ، وهذا طريق مسلوك في المحاورات والمكاتبات. يقولون: عبدك كذا وكذا دون أن يقال «فعلت كذا». وفي تخصيص هذا اللفظ بالمقام دون الرسول والنبي نكتة أخرى لطيفة هي أن ما قبله النهي عن عبادة غير الله وما بعده ذكر عبادة النبي إياه. فإن كان هذا من جملة الوحي فلا إشكال في النسق ، وإن كان من كلام الجن وفرض أن ما قبل قوله (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) أيضا من كلامهم كانت الآيتان المتوسطتان كالاعتراض بين طائفتي كلام الجن. ومناسبة الاستقامة على الطريقة وتخصيص المساجد بعبادة الله وحده لما قبلها ظاهرة فلا