اعتراض على هذا الاعتراض. وفي قوله (كادُوا) ثلاثة أوجه أظهرها أن الضمير للجن ، والقيام قيام النبي صلىاللهعليهوسلم بصلاة الفجر بنخلة حين أتاه الجن فاستمعوا لقراءته متزاحمين عليه متراكمين تعجبا مما رأوا من عبادته واقتداء أصحابه. والثاني أن الضمير للمشركين والمعنى لما قام رسولا يعبد الله وحده مخالفا للمشركين كاد المشركون لتظاهرهم عليه يزدحمون على عداوته ودفعه. والثالث قول قتادة أي لما قام عبد الله تلبدت الإنس والجن وتظاهروا عليه ليطفئوا نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره. و (لِبَداً) جمع لبدة وهي ما تلبد بعضه على بعض كلبدة الأسد. والتركيب يدور على الاجتماع ومنه اللبد. ومن قرأ (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا) فظاهر وهو أمر من الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لأمته المتظاهرين أو للجن هذا الكلام. ومن قرأ على المضي فإخبار من الله تعالى أن نبيه صلىاللهعليهوسلم قال للمتظاهرين أو للجن عند ازدحامهم: ليس ما ترون من عبادتي ربي بأمر بديع وإنما يتعجب ممن يدعو غير الله وجوز في الكشاف أن يكون هذا من كلام الجن لقومهم حكاية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ثم أمر أن يخبر أمته بكلمات قاطعة للأسباب والوسائل سوى الإيمان والعمل الصالح. والرشد بمعنى النفع ، والضر بمعنى الغي ، وكل منهما إمارة على ضده. ثم من هاهنا إلى قوله (إِلَّا بَلاغاً) اعتراض أكد به نفي الاستطاعة وإثبات العجز على معنى أن الله إن أراد به سوأ لن يخلصه منه أحد ولن يجد من غير الله ملاذا ينحرف إليه. والمقصود أني لا أملك شيئا إلا البلاغ الكائن من الله ورسالاته ، فالجار صفة لا صلة لأن التبليغ إنما يعدى بـ «عن» قال صلىاللهعليهوسلم «بلغوا عني ولو آية» قال الزجاج: انتصب (بَلاغاً) على البدل أي لن أجد من دونه منجى إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به. قلت: على هذا جاز أن يكون استثناء منقطعا. وقيل: أن لا أبلغ بلاغا لم أجد ملتحدا كقولك «أن لا قياما فقعودا». استدل جمهور المعتزلة بقوله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ) الآية. على أن الفساق من أهل القبلة مخلدون في النار ، ولا يمكن حمل الخلود على المكث الطويل لاقترانه بقوله (أَبَداً) وأجيب بأن الحديث في التبليغ عن الله فلم لا يجوز أن تكون هذه القرينة مخصصة؟ أي ومن يعص الله في تبليغ رسالته وأداء وحيه ، ومما يقوي هذه القرينة أن سائر عمومات الوعيد لم يقرن بها لفظ (أَبَداً) فلا بد لتخصيص المقام بها من فائدة وما هي إلا أن التقصير في التبليغ أعظم الذنوب. وقد يجاب أيضا بأن قوله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ) لا يحتمل أن يجري على عمومه كأن يراد ومن يعص الله بجميع أنواع المعاصي. فمن المحال أن يقول شخص واحد بالتجسيم وبالتعطيل ، وإذا صار هذا العام مخصصا بدليل العقل فلم لا يجوز أن يتطرق إليه تخصيص آخر كأن يقال: ومن يعص الله بالكفر. وحينئذ لا يبقى للخصم شبهة بل نقول: لا حاجة إلى التزام تخصيص آخر ، فإن الآتي بالكفر