المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والظاهر والمؤل.
ثم عاد إلى حكمة الأمر بقيام الليل فقال (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) فيها قولان: أحدهما أنها ساعات الليل إما كلها لأنها تنشأ أي تحدث واحدة بعد أخرى ، وإما الساعات الأول ما بين المغرب والعشاء وهو قول زين العابدين وسعيد بن جبير والضحاك والكسائي وذلك أنها مبادئ نشوء الليل. والثاني أنها عبارة عن الأمور التي تحدث في الليل. وعلى هذا اختلفوا فمنهم من قال: هي النفس الناشئة بالليل أي التي تنشأ من مضجعها للعبادة أي تنهض وترتفع من نشأت السحابة إذا ارتفعت. ومنهم من قال: هي مصدر كالعاقبة أي قيام الليل. ولا بد من سبق النوم لما روي عبيد بن عمير قلت لعائشة: رجل قام من أول الليل أتقولين له قام ناشئة الليل؟ قالت: لا إنما الناشئة القيام بعد النوم. وقد فسرها بعض أهل المعنى بالواردات الروحانية والخواطر النورانية والانفعالات النفسانية للإبتهاج بعالم القدس وفراغ النفس من الشواغل الحسية التي تكون بالنهار. الوطاء والمواطأة الموافقة. قال الحسن: يعني النفس أشد موافقة بين السر والعلانية أو القلب أو اللسان لانقطاع رؤية الخلائق ، أو يواطيء فيها قلب القائم لسانه ، إن أردت الساعات ، أو القيام. ومن قرأ وطأ بغير فالمعنى أشد ثبات قدم وأبعد من الزلل وأثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار ومنه قوله «اللهم أشدد وطأتك على مضر» (وَأَقْوَمُ قِيلاً) وأشد مقالا وأثبت قراءة لهدوّ الأصوات وسكون الحركات فلا يكون بين القراءة وبين تفهم معانيها حائل ولا مشوش. قال في الكشاف: عن أنس إنه قرأ و «أصوب قيلا» فقيل له: يا أبا حمزة إنما هي (أَقْوَمُ) فقال: إنهما واحد. قال ابن جني: وهذا يدل على أن القوم كانوا يعتبرون المعاني ولا يلتفتون نحو الألفاظ. قال العلماء الراسخون: هذا النقل يوجب القدح في القرآن فالواجب أن يحمل النقل لو صح على أنه فسر أحد اللفظين بالآخر لا أنه زعم أن تغيير لفظ القرآن جائز. ثم أكد أمر قيام الليل بقوله (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) قال المبرد: أي تصرفا وتقلبا في مهماتك فلا تفرغ لخدمة الله إلا بالليل ومنه السابح لتقلبه بيديه ورجليه. وقال الزجاج: أراد أن ما فاتك من الليل شيء فلك في النهار فراغ تقدر على تداركه فيه. وقيل: أن لك في النهار مجالا للنوم والاستراحة وللتصرف في الحوائج. ثم بين أن أشرف الأعمال عند قيام الليل ما هو فصله في شيئين ذكر اسم الرب والتبتل إليه وهو الانقطاع إلى الله بالكلية والتبتل القطع ، الأول مقام السالك والثاني مقام المشاهد. فالأول كالأثر والثاني كالعين وإنما لم يقل وبتل نفسك إليه تبتيلا لأن المقصود بالذات هو التبتل فبين أولا ما هو المقصود ثم أشار أخيرا إلى سببه تأكيدا مع رعاية الفاصلة. ثم أشار إلى الباعث إلى التبتل فقال (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)