عليه ، فلك أن تقول: على تقدير إبدال النصف من الليل إن الضمير في (مِنْهُ) و (عَلَيْهِ) راجع إلى الأقل من النصف فكأنه قيل: قم أقل من نصف الليل أو قم أنقص القليل أو أزيد منه قليلا فيكون التخيير فيما وراء النصف إلى الثلث مثلا ، وإن شئت على تقدير إبدال النصف من (قَلِيلاً) جعلت (قَلِيلاً) الثاني بمعنى نصف النصف وهو الربع كأنه قال: أو انقص منه قليلا نصفه ويجعل المزيد على هذا القليل أعني الربع كأنه قيل: أو زد عليه أي على الربع قليلا نصفه وهو الثمن فيكون تخييرا بين النصف وحده والربع والثمن معا والربع وحده ، هذا حاصل كلامه مع بعض الإيضاح. وأما في التفسير الكبير فقد اختار أن المراد بقوله (قَلِيلاً) الثلث لقوله تعالى في السورة (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ) ففيه دليل على أن أكثر المقادير الواجبة كان الثلثين إلا أن النبي صلىاللهعليهوسلم ربما يتفق له خطأ بالاجتهاد أو النوم فينقص شيء منه إلى النصف أو إلى الثلث على قراءة الخفض. وليس هذا مما يقدح في العصمة لعسر هذا الضبط على البشر ولا سيما عند اشتغاله بالنوم ولذلك قال (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) فيصير تقدير الآية. قم الثلثين ثم نصف الليل. أو انقص من النصف ، أو زد عليه. والغرض التوسعة وأن أكثر الفرض هو الثلثان وأقله الثلث ليكون النقصان من النصف بقدر الزيادة. عن الكلبي قال: كان الرجل يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ ما بين النصف والثلث والثلثين. ثم علم أدب القراءة فقال (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) وهو قراءة على تأن وتثبت ولا تحصل إلا بتبيين الحروف وإشباع الحركات ومنه «ثغر مرتل» إذا كان بين الثنايا افتراق ليس بالكثير ، ومنه قال الليث: الترتيل تنسيق الشيء وثغر رتل حسن التنضيد كنور الأقحوان. سئلت عائشة عن قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت: لا كسر دكم. هذا لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدها. وفي قوله (تَرْتِيلاً) زيادة تأكيد في الإيجاب وأنه لا بد للقاريء منه لتقع قراءته عن حضور القلب وذكر المعاني فلا يكون كمن يعثر على كنز من الجواهر عن غفلة وعدم شعور. حين أمره بقيام الليل وبتدبر القرآن فيه وعده بقوله (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) كأنه قال: صير نفسك بأنوار العبادة والتلاوة مستعدة لقبول الفيض الأعظم وهو القرآن وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة على نفوس البشر. وقيل: ثقله أنه كان إذا نزل عليه الوحي تربد جلده وارفض جبينه عرقا. ومنه قيل «برحاء الوحي». وقال الحسن: أراد ثقله في الميزان وقال أبو علي الفارسي: ثقيل على المنافقين من حيث إنه يهتك أستارهم وقال الفراء: كلام له وزن وموقع لأنه حكمة وبيان ليس بالسفساف وما لا يعبأ به. وقيل: باق على وجه الدهر لأن الثقيل من شأنه أن لا يزول عن حيزه. وقيل: يثقل إدراك معانيه وإحضارها. والفرق بين أقسامها من