مجرى التوكيد من الجملة الأولى ولهذا لم يتوسط العاطف بينهما. أراد بذلك أنه ملفوظ من كلام غيره. ومن تأمل في هاتين الجملتين عرف أنه حكاية كلام مفتخر غير خاف عليه وجوه الحيل ودفع الحق الصريح ولذلك جازاه الله بقوله (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) ولعله بدل من قوله (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) ثم قال (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) والمراد التهويل: ثم بينه بقوله (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) قال بعضهم: معناهما واحد والتكرير للمبالغة. وقال آخرون: لا بد من الفرق: فروى عطاء عن ابن عباس أنها لا تبقي من الدم واللحم والعظم شيئا فإذا أعيدوا خلقا جديدا فلا تترك إحراقهم وهكذا أبدا. وقيل: لا تبقي من المستحقين للعذاب إلا عذبتهم ، ثم لا تذر من أبدان أولئك المعذبين شيئا إلّا أحرقته. وقيل: لا تبقى على شيء ولا تذر من قوتها شيئا إلا استعملته والتقدير هي لا تبقى بدليل قوله خبرا بعد خبر (لَوَّاحَةٌ) ويجوز أن يكون هذا خبرا لمبتدأ آخر. قال أكثر المفسرين: هي من لاحه العطش ولوحه أي غيره وذلك أنها تسود البشرة وهي أعلى الجلود بإحراقها. واعتراض الحسن والأصم بأن وصفها بالتغيير لا يناسب بعد قوله (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) نعم لو عكس الترتيب لاتجه لأنها تغير البشرة أولا ثم تفنيها ، فمعنى لواحة لماعة من لاح البرق ونحوه يلوح إذا لمع والبشر بمعنى الإنسان وذلك أنها تظهر لهم من مسيرة خمسمائة عام.
ثم بين أن عدد الخزنة الموكلين عليها (تِسْعَةَ عَشَرَ) فترك المميز فقيل صنفا. والأكثرون شخصا مالك وثمانية عشر أعينهم كالبرق وأنيابهم كالصياصي يجرون أشعارهم يخرج اللهب والنار من أفواههم ، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر ، نزعت الرأفة والرحمة منهم يأخذ أحدهم سبعين ألفا في كفه ويرميهم حيث أراد من جهنم. وذكر العلماء في تخصيص هذا العدد وجوها فقال المتشرعون: هذا مما لا يصل إليه عقول البشر كأعداد السموات والأرضين والكواكب وأيام السنة والشهور. وكأعداد الزكاة والكفارات والصلوات. وقيل: إن العدد على وجهين: قليل وهو من الواحد إلى التسعة ، وكثير وهو من العشرة إلى ما لا نهاية ، فجمع بين نهاية القليل وبداية الكثير. وقيل: إن ساعات اليوم بليلته أربع وعشرون ، خمس منها تركت لأجل الصلوات الخمس والباقية لكل منها يعذب من يضيعها في غير حق الله. وقيل: إن أبواب جهنم سبعة ، وله للفساق زبانية زبانية واحدة بسبب ترك العمل ، ولكل من الأبواب الباقية ثلاثة أملاك لأن الكفار يعذبون لأجل أمور ثلاثة: ترك الاعتقاد وترك الإقرار وترك العمل. قال الحكيم: إن فساد النفس الإنسانية في قوتها النظرية والعملية هو بسبب استعماله القوى الحيوانية والطبيعية لا على وجهها. والقوى الحيوانية الشهوة والغضب. والحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة. والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة ، فلما كان منشأ الإفادة هذه القوى التسع عشر لا جرم كان عدد