بحال من عداهم كأنه قيل: وليخالف حالهم حال المرتابين من أهل الزيغ والكفران ، وأما الذين في قلوبهم مرض فهم أهل النفاق الذين أحدثوا بعد ذلك لأن السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق وإنما حدث بالمدينة ، ففي الآية إخبار بالغيب وقد وقع مطابقا فكان معجزا. واللامات في الأمور الأربعة للغاية عند الأشاعرة ، والمعتزلة يسمونها لام العاقبة وقد مر في مواضع. وقوله (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) إلى قوله (مَنْ يَشاءُ) قد مر في «البقرة». وجعل مثل هذا العدد مثلا لغرابته حيث لم يقل عشرين وسواه والمعنى أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب مع أنهم منكرون له من أصله. والكاف في (كَذلِكَ) منصوب المحل أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل ويهدي. قوله (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) إشارة إلى أن ما عليه عدد الخزنة لا يعلم حكمته ولا حكمة ما عليه كل جند من العدد إلى حين الأبد إلا الله سبحانه كما يقوله أهل الحق وقد مر. وقيل: إن القوم قد استقلوا ذلك العدد فقال تعالى في جوابهم: هبوا أن هؤلاء تسعة عشر إلا أن لكل واحد من الأعوان والجنود ما لا يحصيهم إلا الله (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) لفرط كثرتها (إِلَّا هُوَ) فلا يعسر عليه تتميم الخزنة عشرين وأزيد ولكن له في هذا العدد حكمة اختص هو بمعرفتها. قوله (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى) متصل بوصف سقر. وقوله (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ) إلى هاهنا اعتراض أي وما سقر وصفتها إلا موعظة للناس. ويحتمل أن يعود الضمير إلى هذه الآيات المشتملة على هذه المتشابهات وهي ذكرى لجميع العالمين وإن لم ينتفع بها إلا أهل الإيمان وقوله (كَلَّا) قيل: إنكار لأن يكون للكفار ذكرى لأنهم لا يتذكرون أو ردع لمن ينكر أن تكون إحدى الكبر نذيرا ، أو ردع لقول أبي جهل وأصحابه أنهم يقدرون على مقاومة خزنة النار ، أو ردع لهم عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة. وقد مر أنه يجوز أن يكون بمعنى حقا تأكيدا للقسم بعده. قال الفراء: دبر وأدبر بمعنى واحد كقبل وأقبل. روى بعضهم أن ابن عباس كان يعيب قراءة الثلاثي ويقول: إنما يدبر ظهر البعير. وفي صحة الرواية نظر لأن القراآت السبع كلها متواترة. قال الواحدي: والقراءتان عند أهل اللغة سواء ومنه أمس الدابر. وعلى هذا يكون دبور الليل وإدباره وإسفار الصبح أي إضاءته كشيء واحد. قال أبو عبيدة وابن قتيبة: هو من دبر الليل النهار إذا خلفه. ثم قال (إِنَّها) أي إن سقر التي جرى ذكرها (لَإِحْدَى) البلايا أو الدواهي (الْكُبَرِ) جمع الكبرى. قال جار الله: جعلت ألف التأنيث كتائها فكما جمعت «فعلة» على «فعل» جمعت «فعلى» عليه. ونظير ذلك «السوافي» في جمع «السافياء» وهو التراب الذي يسفيه الريح. «والقواصع» في جمع «القاصعاء» كأنها فاعلة. وقال المفسرون: المراد من الكبر دركات جهنم وهي سبع: جهنم ولظى والحطمة وسعير وسقر والجحيم والهاوية. فعلى هذا معنى كون سقر إحداهن ظاهر. وقال أهل المعاني: أراد أنها من بين الدواهي واحدة في العظم لا