(بَلْ يُرِيدُ) أن يكذب بما أمامه من البعث والحساب لئلا تنتقص عنه اللذات العاجلة (يَسْئَلُ) سؤال تنعت (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) ثم ذكر من أمارات الساعة أمورا أولها (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أي تحير فزعا وأصله من برق الرجل بالكسر إذا تأثر ناظره من تأمل البرق ، ثم استعمل في كل حيرة. ومن قرأ بفتح الراء فهو من البريق أي لمع من شدة شخوصه كقوله (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) [إبراهيم: ٤٢] وثانيها (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أي ذهب ضوءه كما يشاهد في الدنيا وقت خسوفه ، أو ذهب بنفسه من قوله (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) [القصص: ٨١] وهذا التفسير عندي لا يلائم ما بعده لأن الجمع بينه وبين الشمس بعد انعدامه غير معقول ظاهرا. وثالثها (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) قيل: أي في اطلاعهما من المغرب. وقيل: في ذهاب الضوء. وقيل: يجتمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران كما جاء في الحديث ، ولعل ذلك لأنهما عبدا من دون الله ، والثور مثل في الذل والبلادة فإذا كان عقيرا أي جريحا كان أبلغ في ذلك. وقيل: يجمعان ثم يقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى. طعن الملاحدة في الآية بأن خسوف القمر لا يحصل باجتماع الشمس والقمر. وأجيب بأنه تعالى قادر على خسف القمر في غير حالة المقابلة وحيلولة الأرض. والأولى عندي أن يجاب بأن اجتماعهما بمعنى آخر غير ما هو المعهود بين أهل التنجيم كما مر من الأقوال. ولئن سلمنا أن المراد هو الاجتماع المعهود فالقمر حينئذ في المحاق وهو خسفه ، أو لعل القمر خسف في وسط الشهر والاجتماع يكون في آخره فإن اتحاد الزمان في هذه الأمور غير مذكور. ومنهم من جعل هذه الأمور من علامات الموت ، أما شخوص البصر تحيره حين الموت فظاهر ، وأما خسوف القمر فمعناه ذهاب ضوء البصر بعد الحيرة: يقال: عين خاسفة إذا فقئت فغارت حدقتها في الرأس. وأما جمع الشمس والقمر فكناية عن اتصال الروح بعالم الآخرة ، فالروح كالقمر وعالم الآخرة وهو عالم الأنوار والكشوف كالشمس وكما أن القمر يقبل النور من الشمس فالروح تقبل نور المعارف من ذلك العالم وهذا التفسير بالتأويل أشبه. قال الفراء: إنما قال (جُمِعَ) ولم يقل «جمعت» مع أن التأنيث أحسن لأن المراد أنه جمع بينهما في زوال النور. وقال الكسائي: المعنى جمع النوران والضياءان. وقال أبو عبيدة: القمر شارك الشمس في الجمع فغلب جانب التذكير (يَقُولُ الْإِنْسانُ) المنكر للقيامة (أَيْنَ الْمَفَرُّ) والاستفهام على أصله وهو إقرار منه بأنه لا مفر كما إذا أيس من وجدان زيد فيقول: أين زيد (كَلَّا) ردع عن طلب مكان الفرار وهذا أصح عند أهل اللغة. قال الأخفش والزجاج: المصدر من يفعل بكسر العين مفتوح العين ، وبالكسر المكان. وجوز بعضهم أن يكون المفتوح موضعا. وأصل الوزر المحل المنيع ثم استعمل