وضعف بأن هذا ليس موضع الأمر باتباع الحلال والحرام بل المراد أنه لا ينبغي أن تكون قراءتك مقارنة لقراءة جبرائيل عليهالسلام لكن يجب أن تسكت حتى يتم جبرائيل القراءة ثم تأخذ أنت في القراءة. قال ابن عباس: فكان النبي صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك إذا نزل عليه جبرائيل أطرق واستمع فإذا ذهب قرأ. ثم إنه صلىاللهعليهوسلم كما كان حريصا على القراءة حتى لا ينسى لفظه كان حريصا على فهم المعنى ، وكان يسأل جبرائيل في أثناء الوحي عن المعاني المشكلة فنهي عن هذا أيضا بوعد البيان وهو قوله (إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) قال بعضهم: وفيه دليل على أن تأخير البيان عن وقت الخطاب جائز. إذا عرفت تفسير الآية فاعلم أن العلماء استنبطوا للنظم وجوها منها: أن هذا الاستعجال لعله اتفق للنبي صلىاللهعليهوسلم عند نزول هذه الآيات فلا جرم نهي عن ذلك في الوقت كما أن المدرس إذا كان يلقي على تلميذه شيئا من العلم وأخذ التلميذ يلتفت يمينا وشمالا فيقول المدرس في أثناء درسه: لا تلتفت يمينا وشمالا ، ثم يعود إلى الدرس مع هذا الكلام في أثنائه اشتبه وجه المناسبة على من لم يعرف الواقعة. ومنها أنه علت كلمته أخبر عن الإنسان أنه يحب السعادة العاجلة فيفجر لذلك أمامه ، فبين بين ذلك أن التعجل مذموم مطلقا ولو في أمور الدين فقال (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) ورتب على ذم الاستعجال قوله (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) ومنها أنه لما قال (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يظهر التعجيل في القراءة خوف النسيان قيل له: إنك وإن أتيت بهذه المعذرة لكنك يجب أن تعلم أن الحفظ لا يحصل إلا بتوفيق الله وإعانته فاترك هذا التعجيل واعتمد على هدايتنا ، ولا تستعن في طلب الحفظ بالتكرار ، وفيه أن الكافر كان يفر من الله إلى غيره حين قال (أَيْنَ الْمَفَرُّ) فعلى المؤمن أن يضاده ويفر من غير الله إلى الله ولا يستعين في كل أموره إلا به. ومنها أنه تعالى كأنه قال: يا محمد إن غرضك من هذا هو التبليغ لكنه لا حاجة إليه فإن الإنسان على نفسه بصيرة يعرف قبح الكفر مهما رجع إلى نفسه. وقال القفال: يجوز أن يكون المخاطب بهذا هو الإنسان المذكور في قوله (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) كأنه حين عرض كتابه يقال له (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء: ١٤] فإذا أخذ في القراءة ينبأ بقبح أعماله فيتلجلج لسانه من الفزع ويسرع له القراءة فيقال له (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) فإنه يجب علينا بحكم الوعد والحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك ، فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالاعتراف والإقرار ، ثم أن علينا بيان أمره وشرح مراتب عقوبته. قوله سبحانه. (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ) قال بعضهم: هو بمعنى حقا. وقال جار الله: هو ردع لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عن عادة العجلة وحث له على الأناة والتؤدة وقد بالغ في ذلك باتباعه قوله (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) كأنه قيل: بل أنتم يا بني آدم خلقتم من عجل